قال الحارث بن همام: وكان هذا السائل واقفا خلفي، ومحتجبا بظهري عن طرفي. فلمّا أرضاه القوم بسيبهم، وحقّ عليّ التّأسّي بهم خلجت خاتمي من خنصري، ولفتّ بصري، فإذا هو شيخنا السّروجيّ بلا فرية ولا مرية، فأيقنت أنها أكذوبة تكذّبها، وأحبولة نصبها، إلا أنّني طويته على غرّه، وصنت شغاه عن فرّه، فحصبته بالخاتم، وقلت: أرصده لنفقة المآتم، فقال: واها لك فما أضرم شعلتك، وأكثر فعلتك، ثم انطلق يسعى قدما، ويهرول هرولته قدما.
***
سيبهم: عطاؤهم. وحق: وجب. التأسّي: الاقتداء. خلجت: جذبت وأخرجت.
الخنصر: الأصغر من الأصابع، ويليها البنصر ثم الوسطى ثم السبابة وتسمى المسبّحة والمشيرة، ثم الإبهام، وقال أبو العلاء المعرّي: [المتقارب]
شغلت عن المرء من خمسة اث ... نيتن فخصّهما المفخر
يشار إليك بسبّابة ... وتثني على فضلك المخنصر
فمن أجل ذا رفعت هذه ... إلى خالق الخلق تستغفر
ومن أجل ذا كسيت خاتما ... يزين وعرّيت البنصر
وقال صريع الغواني يلغز بخاتم: [الطويل]
وأبيض أمّا رأسه فمدوّر ... نقيّ وأمّا جسمه فمعار
ولم يتّخذ إلا لتسكن وسطه ... خضيبة رأس ما عليه خمار
لها أخوات أربع هنّ مثلها ... ولكنها الصغرى وهن كبار
لفتّ: رددت. فرية: كذب. مرية: شكّ، وتقول: بين القوم أكذوبة يتكاذبون بها، أي أحاديث كذب. تكذّبها: استفعلها. أحبولة: آلة يصاد بها. وطويته على غرّه، أي سترت عليه طريقته الملتزمة من الحيل، والغرّ بالنقط: كسور الثوب، يقال: اطو الثوب على غرّه، أي على كسور طيّه الأولى.
جابر: قال النبي صلّى الله عليه وسلم: «طيّ الثوب راحته».
صنت: حفظت وكتمت: شغاه: عيبه. فرّه. كشفه. والشّغا: بروز سنّ على أخواتها، وخروج الحنك الأعلى على الأسفل.
وحصبته: رميته، والحصباء: الحصى الصغار، وحصبته: رميته بالحصباء، فاستعاره للخاتم.
أرصده: أعده. واها: عجبا. ما أضرم شعلتك، أي ما أكبر توقّد ذهنك، والشعلة