يحيى بن أكثم، فقال يحيى: وعليك السلام يا أمة الله، تكلمي في حاجتك، فقالت: [البسيط]
يا خير منتصف يرجى له الرّشد ... ويا إماما به قد أشرق البلد
تشكو إليك عميد الملك أرملة ... عدا عليها فلم يترك لها سبد
وابتزّ مني ضياعي بعد منعتها ... ظلما وفرّق منّي الأهل والولد
فأطرق المأمون حينا ثم رفع رأسه فقال: [البسيط]
في دون ما قلت زال الصّبر والجلد ... عنّي وأقرح منّي القلب والكبد
هذا أوان صلاة العصر فانصرفي ... واحضري الخصم في الوقت الذي أعد
والمجلس السبت أن يقض الجلوس لنا ... ننصفك منه وإلا المجلس الأحد
فجلس يوم الأحد، فكانت أوّل من تقدم إليه، فقالت: السلام عليك يا أمير المؤمنين، فقال: وعليك السّلام، أين الخصم؟ فقالت: واقف على رأسك، وأشارت إلى ابنه العباس، فقال: يا أحمد بن أبي خالد، خذ بيده فأجلسه معها للخصومة. ففعل.
فجلس، فجعل كلامها يعلو كلامه فقال لها: أحمد يا أمة الله، أنت بين يدي أمير المؤمنين وتكلّمين الأمير، فاخفضي من صوتك، فقال له المأمون: دعها يا أحمد فالحقّ أنطقها والباطل أخرسه. ثم قضى لها بردّ ضباعها وظلم العباس. وأمر لها بنفقة وبكتاب إلى عامل بلدها أن يحسن معاونتها.
قال أبو العيناء: كان عيسى بن فرخان شاه يتيه عليّ في وزارته، فلما صرف رهبني، فلما لقيني سلّم عليّ فدنوت منه وقلت له: والله لقد كنت أقنع بإيمائك دون بيانك، وبلحظك دون لفظك، والحمد لله على ما آلت إليه حالتك، فلئن أخطأت فيك النعمة فلقد أصابت فيك النقمة، وإن كانت الدنيا أبدت مقابحها بالإقبال عليك، فلقد أظهرت محاسنها بالانصراف عنك، ولله المنة إذ أغنانا عن الكذب عليك، ونزّهنا عن قول الزور فيك، فقد والله أسأت حمل النّعم، وما شكرت حقّ المنعم. فقيل له: يا أبا عبد الله، لقد أبلغت في السّب، فما كان الذنب؟ فقال: سألته حاجة أقلّ من قيمته، فردّني عنها بأقبح من صورته.
وقال ابن الروميّ في أبي الصقر، وكان قد مدحه فلم يرفع به رأسا: [الكامل]
فلئن نكبت لطالما نكبت ... بك همة لجأت إلى سندك
لو تسجد الأيام ما سجدت ... إلا ليوم فتّ في عضدك
يا نعمة ولّت غضارتها ... ما كان أقبح حسنها بيدك
فلقد غدت بردا على كبدي ... لما غدت حرّا على كبدك
وقال فيه: [السريع]
خفّض أبا الصقر فكم طائر ... خرّ صريعا بعد تحليق