للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: فما نزع بك إلى هنا؟ قال: ابن عم لي كان عاملا على ناحية فخرجت إليه فلقيته معزولا، فخرجت إلى بعض النواحي اضطرب في المعاش، قلت: أليس قد ذكرت أنك حائك! قال: أنا أحوك الكلام، ولست بحائك الثياب. فلما بلغنا الأهواز أمرت الحجام فأحفي من شعره، وأدخل الحمام، فكسوته من ثيابي، وكلمت الرخّجي فيه في الأهواز فأعطاه خمسة آلاف درهم، ورجع معي.

فقال لي المعتصم: ما كان من خبرك في طريقك؟ فأخبرته خبري، ثم خبر الرجل، فقال: هذا لا يستغنى عنه، فلأيّ شيء يصلح؟ قلت: هو والله يا أمير المؤمنين أعلم الناس بالمساحة والهندسة، فولّاه البناء، فكنت ألقاه في الموكب النّبيل فينزل عن دابته فأمنعه، فيقول: يا سبحان الله! إنما هذه نعمتك، وبك أفدتها.

ومثل إيهامه هنا أنه حائك إيهام أبي زيد في التاسعة أنه نظام.

***

قال الحارث بن همام: فلمّا أمتع الأسماع، بما راق وراع، استنسبناه فاستراب، وأبى الانتساب، ولو وجد منسابا لأنساب. فحصلت من لبسه على غمّة؛ حتّى ادّكرت بعد أمّة. فقلت: والّذي سخّر الفلك الدّوّار، والفلك السّيّار، إنّي لأجد ريح أبي زيد، وإن كنت أعهده ذا رواء وأيد.

فتبسّم ضاحكا من قولي، وقال: أنا هو على استحالة حالي وحولي؛ فقلت لأصحابي: هذا الّذي لا يفرى فريّه، ولا يبارى عبقريّه. فخطبوا منه الودّ، ويذلوا له الوجد؛ فرغب عن الألفة، ولم يرغب في التّحفة، وقال: أمّا بعد إن سحقتم حقّي، لأجل سحقي، وكسفتم بالي، لإخلاق سربالي، فما أراكم إلّا بالعين السّخينة، ولا لكم منّي إلا صحبة السفينة.

***

قوله: «أمتع الأسماع» أي متّع الآذان ولذّذها، ومنه يقال في الكتابة: أبقاك الله وأمتع بك، ومعناه: أطال الله عمره، من الماتع وهو الطويل عند العرب، ومنه متع النهار، أي علا، وقال الأنصاريّ. [الكامل]

واها لأيام الصّبا وزمانه ... لو كان أمتع بالمقام قليلا!

ونبلاء الكتاب يكتبون بها إلى الأتباع والأدنياء، ولا يكتبون بها إلى الأكفاء والأعلون.

***

<<  <  ج: ص:  >  >>