للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والسرقات المحمودة أكثر من أن تحصر.

ونريك وجه السرقات المذمومة، وهي كالمحمودة عشرة أقسام:

الأول: نقل اللفظ القصير إلى الطويل الكثير، كقول سالم الخاسر: [السريع]

أقبلن في رأد الضحى بنا ... يسترن وجه الشّمس بالشّمس

أخذه الثاني فقال: [الكامل]

وإذا الغزالة في السماء تعرّضت ... وبدا النهار لوقته يترحّل

أبدت لعين الشمس عينا مثلها ... تلقى السماء بمثل ما تستقبل

المعنى صحيح والكلام مليح؛ غير أنه تطويل تضييق، والبيتان جميعا نصف بيت سالم.

الثاني: نقل الرشيق الجزل إلى المستضعف الرذل، كقول القائل: [المنسرح]

كأنّ ليلى صبير غادية ... أو دمية زيّنت بها البيع

أخذه أبو العتاهية فقال: [السريع]

كأنّ عتّابة من حسنها ... دمية قسّ فتنت قسّها

فقصر لفظه عن الفصاحة، ومعناه عن الرجاحة.

الثالث: نقل ما حسن معناه ومبناه إلى ما قبح مبناه ومعناه، كقول امرئ القيس: [الطويل]

ألم ترياني كلّما جئت طارقا ... وجدت بها طيبا وإن لم تطيّب (١)

فأتي بما لا يعلم وجوده في البشر من وجود طيب ممّن لم يمسّ طيبا، وجاء ببيت في مراده، حسن النظام مستوفي التمام، أخذه كثير، فقال:

فما روضة بالحسن طيبة الثّرى ... يمجّ النّدى جثجاثها وعرارها (٢)

بأطيب من أردان عزّة موهنا ... إذا أوقدت بالمندل الرطب نارها

فطوّل وحسّن، وقصّر غاية التقصير، وأخبر أنها إذا تطيّبت كالروضة في طيبها، وذلك مما لا يعدم في أقل البشر تنظيفا.


(١) البيت في ديوان امرئ القيس ص ٤١، والأشباه والنظائر ٨/ ٨٥، ولسان العرب (ندل)، (محل)، ويروى «الم تر أنّي» بدل «الم ترياني».
(٢) البيتان لكثير عزة في ديوانه ص ٤٢٩، ٤٣٠، وجمهرة اللغة ص ١١١٨، والخصائص ٣/ ٢٨١، والأغاني ١٥/ ٢٧٤، وبلا نسبة في لسان العرب (جثث)، وتاج العروس (جثث)، ويروى البيت الثاني:
بأطيب من فيها إذا جئت طارقا ... وقد أوقدت بالمجمر اللّدن نارها
وهو بلا نسبة في لسان العرب (جثث)، وتاج العروس (جثث).

<<  <  ج: ص:  >  >>