وحدثني أيضا أن أباه شيخنا الفقيه أبا عبد الله المذكور قعد مع صهره أبي الحسن عبد الملك بن عياش الكاتب على بحر المجاز، وهو مضطرب الأمواج، فقال له أبو الحسن: أجز: [الوافر]
وملتطم الغوارب موجته ... بوارح في مناكبها غيوم
فقال أبو عبد الله [الطويل]
تمنّع لا تعوم به سفين ... ولو حدقت به الزهر النجوم
***
قوله: «افتضاح العاطل»، أي شهرة الفارغ من قول الشعر، تراسلا: تجاريا، والتّراسل في الغناء والنشيد، أن يتجاذب الصوت المغنّيان، والترسل في الخيل، أن ترسل فرسين في الطلق.
تباريا: تجاريا، وتجاولا: تصرّفا. والحلبة يأتي ذكرها في المقامة، وأراد تجاريا في العشر كما يتجارى خيل الحلبة في الميدان، بسبرك: قياسك وتجربتك لنا. متوارد:
متسابق متتابع. والتجنيس: أن تكون الألفاظ متناسبة والمعاني متباينة. تلحمانها:
تنسجانها. وشيه: رقمه. ترصّعانها: تزينانها. وكلّ ما خرزته أو عقدته فهو مرصع.
إلف: معشوق يألف ويؤنس به. بديع: غريب. ألمى: أسمر، واللّمى أن تتعتّق حمرة الشفة حتى تضرب إلى السواد. والتثني: الانعطاف. التيه: الإعجاب والاحتقار بغيره، التجنّي: ادعاء الجناية على عاشقه، وذلك أن المعشوق يحسب كل ما يفعله عاشقه ذنبا عليه وجناية ليتوصّل بذلك إلى هجره ثم سمّى الصدّ والإعراض تجنيا. مغرى: مولع.
والتناسي: استعمال النسيان. أراد أنه يعد عاشقه بالزيارة وغيرها فإذا ذكر بها قال:
نسيت. والصدّ: الإعراض.
***
قال: فبرز الشيخ مجليّا، وتلاه الفتى مصليا؛ وتجاريا بيتا فبيتا على هذا النّسق، إلى أن أكمل نظم الأبيات واتسق، وهي: [الطويل]
وأحوى حوى رقّي برقّة ثغره ... وغادرني إلف السّهاد بغدره
تصدّى لقتلي بالصدود وإنني ... لفي أسره مذ حاز قلبي بأسره
أصدّق منه الزّور خوف ازوراره ... وأرضى استماع الهجر خشية هجره
وأستعذب التّعذيب منه وكلّما ... أجدّ عذابي جدّ بي حبّ برّه
تناسى ذمامي والتناسي مذمّة ... وأحفظ قلبي وهو حافظ سرّه
وأعجب ما فيه التّباهي بعجبه ... وأكبره عن أن أفوه بكبره
له منّي المدح الّذي طاب نشره ... ولي منه طي الودّ من بعد نشره