للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ملك الرياح قوائما فجرى بها ... فيكاد يأخذ مغربا من مشرق

وقال فيه أيضا: [الطويل]

وتحتي ريح تسبق الريح إن جرت ... وما خلت أن الرّيح ذات قوائم

وله في المدى سبق إلى كلّ غاية ... كأنّ لنا فيه نفوذ عزائم

وهمّة نفس نزهتها عن الونى ... فيا عجبا، حتى العلا في البهائم!

وكان للمتوكل ببطليوس فرس أخضر أغرّ محجل على كفله ست نقط بيض، فبذل كل شاعر في وصفه جهده، فما سبق الغاية إلا البجليّ بقوله: [الرمل]

حمل البدر جواد سابح ... تقف الريح لأدنى مهله

وكأنّ الصبح قد خاض به ... فبدا تحجيله من بلله

لبس اللّيل قميصا سابغا ... فالثريّا نقط في كفله

كلّ مطلوب وإن طالت به ... رجله من أجله في أجله

والباب لا يدخل تحت الحصر، فلنكتف بهذا القدر.

***

فلمّا أنشداها الوالي متراسلين، بهت لذكاءيهما المتعادلين.

وقال: أشهد بالله أنّكما فرقدا سماء؛ وكزندين في وعاء، وأن هذا الحدث لينفق ممّا أتاه الله، ويستغني بوجده عمّن سواه. فتب أيّها الشّيخ من اتّهامه، وثب إلى إكرامه.

فقال الشيخ: هيهات أن تراجعه مقتي، أو تعلق به ثقتي وقد بلوت كفرانه للصّنيع؛ ومنيت منه بالعقوق الشّنيع. فاعترضه الفتى وقال: يا هذا، إن اللّجاج شؤم، والحنق لؤم، وتحقيق الظّنة إثم، وإعنات البريء ظلم. وهبني اقترفت جريرة، أو اجترحت كبيرة؛ أما تذكر ما أنشدتني لنفسك، في إبّان أنسك.

***

قوله: «بهت»، أي تحير. المتعادلين: المتماثلين، وشبّههما بالفرقدين لرفعتهما وتوقدهما، وأخذ الحريري هذا التشبيه من البحتري في قوله: [الكامل]

كالفرقدين إذا تأمّل ناظر

وتقدّم في الثانية، وبالزّندين لما فيهما من النار، وفي هذين من الذكاء وجعلهما في وعاء، يريد: متى التمسهما الإنسان وجد فيما وقعت عليه يده حاجته.

<<  <  ج: ص:  >  >>