للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وصل إلى عمرو، فجهّزه بطرف من الجواهر والخزّ والديباج والأسلحة، فرجع بها، فلما تحققت نصحه، أرسلته إلى العراق ثالث سفرة ليضرب لها بها عدّة من السلاح، ويشتري لها خيلا وعبيدا لتجهز جيشا إلى من حواليها من الملوك فمشى فيما أمرته به، وتوصل إلى عمرو، وقال: قد أصبت الفرصة من الزّبّاء، فقال عمرو: قل اسمع، ومر افعل، فأنت طبيب هذه القرحة، فقال: الرجال والمال، فقال: حكمك فيما عندي مسلّط، فعمد إلى ألفي رجل من أهل القتال، وجعلهم في غرائر سود، وجعل سلاحهم السيوف والحجف (١)، وجعل رءوس الغرائر مربوطة من داخلها، وجعل عمرا في الحملة، وساق الخيل والعبيد، فلما قاربها بعث إليها البشير بسلامة قصير وكل ما جاء به، فسألت عن العير أين نزل؟ فقيل لها: بالغوير- وكانت تنظره من غير طريق الغوير- فقالت: عسى الغوير أبؤسا، وتقدّم قصير، فدخل عليها فبشّرها، فرقيت سطحا عاليا لتنظر مجيء الإبل، فنظرت قوائمها تسوخ في الأرض لما عليها من الأثقال، فقالت: يا قصير:

[الرجز]

ما للجمال مشيها وئيدا ... أجندلا يحملن أم حديدا! (٢)

أم صرفانا باردا شديدا ... أم الرجال جثّما قعودا

وكانت قالت لجواريها: إني أرى الموت الأحمر في الغرائر السود، فذهبت مثلا.

فدخلت الجمال المدينة، فجسّ بواب بمخصرة في يده غرارة على آخر بعير، فأصابت المخصرة خاصرة رجل فضرط فصاح: الشرّ الشرّ، فأظهروا علامة كانت بينهم، فحلّوا رءوس الجوالق، فخرج منها ألفا دارع بألفي سيف، فصاحوا: يا لثأر الملك المقتول غدرا! وهربت الزباء تطلب النفق إلى تحت الفرات، فسبق عمرو إلى بابه مع قصير، وكانت صورة عمرو مصورة في جانبها، فعند ما رأته عرفته، وكانت جعلت تحت فصّ خاتمها سمّ ساعة فمصّت الفصّ، وقالت: بيدي لا بيد عمرو. فسقطت، وعمرو وقصير يضربانها بالسيف، فماتت بين السم والسيف، فاستباحوا بلدها بما فيه، واستولى عمرو على مملكتها. واتخذ عمرو الحيرة دار ملكه، وتوارثها بنوه واحدا واحدا إلى النعمان بن المنذر، وهو الذي أدرك زمن المصطفى صلّى الله عليه وسلم وقتله كسرى، وهو آخرهم،


(١) الحجف، بالتحريك: التروس من جلود بلا خشب ولا عقب.
(٢) الرجز للزباء في لسان العرب (وأد)، (صرف)، (زهق)، وأدب الكاتب ص ٢٠٠، والأغاني ١٥/ ٢٥٦، وأوضح المسالك ٢/ ٨٦، وجمهرة اللغة ص ٧٤٢، ١٢٣٧، وخزانة الأدب ٧/ ٢٩٥، والدرر ٢/ ٢٨١، وشرح الأشموني ١/ ١٦٩، وشرح التصريح ١/ ٢٧١، وشرح شواهد المغني ٢/ ٩١٢، وتاج العروس (وأد)، (صرف)، وشرح عمدة الحافظ ص ١٧٩، ومغني اللبيب ٢/ ٥٨١، وللزباء أو للخنساء في المقاصد النحوية ٢/ ٤٤٨، وبلا نسبة في همع الهوامع ١/ ١٥٩، ومقاييس اللغة ٦/ ٧٨، وكتاب العين ٧/ ١١١، والمخصص ١٢/ ٢٦، وأساس البلاغة (وأد).

<<  <  ج: ص:  >  >>