للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عقار أعتقت في الدّنّ حتّى ... كأنّ حبابها حدق الجراد (١)

وقال آخر: [الكامل]

حمراء قانية إذا ما شعشعت ... ينزو إلى وجه النّديم حبابها

***

فاستجاده من حضر واستحلاه، واستعاده منه واستملاه، وسئل لمن هذا البيت، وهل حيّ قائله أو ميت؟ فقال: أيم الله، للحقّ أحقّ أن يتّبع، وللصّدق حقيق بأن يستمع؛ إنّه يا قوم، لنجيّكم منذ اليوم. قال: فكأنّ الجماعة ارتابت بعزوته، وأبت تصديق دعوته. فتوجّس ما هجس في أفكارهم، وفطن لما بطن من استنكارهم، وحاذر أن يفرط إليه ذمّ، أو يلحقه وهم، فقرأ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ.

ثمّ قال: يا رواة القريض، وأساة القول المريض، إنّ خلاصة الجوهر تظهر بالسّبك، ويد الحقّ تصدع رداء الشّكّ، وقد قيل فيما غبر من الزّمان: عند الامتحان يكرم المرء أو يهان، وها أنا قد عرّضت خبيّتي للاختبار، وعرضت حقيبتي على الاعتبار.

***

قوله: «استعاده»، أي قال: أعده عليّ. استملاه: طلب أن يكتبه. ايم الله: يمين يحلف به. نجيّكم: محدّثكم- يعني نفسه. ارتابت: شكّت والرّيب: الشكّ. بعزوته:

بنسبته، أي بنسبته إلى نفسه. دعوته: ادعاؤه أنه من قوله: والدّعوة بكسر الدّال في النّسب، وبفتحها في الطعام. فتوجّس: أي أحسّ وسمع هجس: وقع وخطر. فطن:

شعر. بطن: خفي، يريد أنه فهم منهم أنهم لم يصدّقوه في أنّ الشعر له، وأنكروا أن يقول مثله. حاذر: خاف. يفرط: يسبق. القريض: الشعر. أساة: أطبّاء، وأحدهم آس.

القول المريض: الضعيف من قبل راويه. خلاصة: ما خلص منه. وجواهر الأرض، مثل الحديد والنحاس وغيرهما، فإذ عرض الجوهر على النّار، فما كان منه خالصا زاد صفاء وجودة، وما لم يكن خالصا فضحته النار وأظهرت عيبه. السّبك: الاختبار بالنار.

تصدع: تشق. غبر: مضى هنا، ويستعمل كثيرا بمعنى «بقي» وهو من الأضداد؛ يقال:

غبر الشيء غبورا إذا بقي، قال الله تعالى: إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ [الأعراف:

٨٣]، أي الباقين. الامتحان: الاختبار والبحث، وهذا المثل من أمثال الفرس، ولهذا أبعد مدّته حيث قال: غبر من الزمان. خبيّتي: مكتومي، وما خبأته من علمي، وأصل «خبيّتي» الهمز، فقلبت همزته ياء وأدغمت فيها الياء، كما قلبت في «خاسية». وتقول:


(١) البيت في شعراء النصرانية ص ٣٤٢، ولعمرو بن معدي كرب في ديوانه ص ١٠٧:
مضاعفة تخيّرها سليم ... كأنّ قتيرها حدق الجراد

<<  <  ج: ص:  >  >>