للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن ذلك ما كتب به يحيى بن خالد لابنه الفضل حين بعث فيه أهل خراسان كتابا إلى الرشيد: إنه مستغل بالصيد وإدمان اللذات؛ فرمى به إلى يحيى وقال: يا أبت اكتب إليه بما يردعه، فكتب على ظهر الكتاب:

حفظك الله يا بنيّ، وأمتع بك. فقد انتهى إلى أمير المؤمنين ما أنت عليه من التّشاغل بالصيد وإدمان اللذات، فعاود ما هو أليق بك وأزين لك، فإنه من عاد إلى ما يزينه، وترك ما يشينه، لم يعرفه أهل دهره إلا به. وقد قلت أبياتا فالتزمها، وإن جاوزتها عزلتك عن سخط، ولم أكلمك حولا، وكتب إليه: [السريع]

انصب نهارا في طلاب العلا ... واصبر على فقد لقاء الحبيب

حتى إذا الليل أتى مقبلا ... واستترت فيه عيون الرقيب

فباشر الليل بما تشتهي ... فإنّما الليل نهار الأريب

كم من فتى تحسبه ناسكا ... قد لقي الليل بأمر عجيب

ألقى عليه الليل أثوابه ... فبات في لهو وعيش خصيب

ولذة الأحمق مشهورة ... يرصدها كلّ حسود رقيب

فامتثل ما فيها حتى عزل عنها.

وقال الحلواني في ضده: [الكامل]

أنت الّذي قسم الزمان لنفسه ... قسمين بين رئاسة ومتاب

أعطى لمرتبة العلاء نهاره ... منها وجنح اللّيل للمحراب

وقال الفنجديهي في قوله: أنا بالنهار خطيب وبالليل أطيب، معناه أنا صالح المنظر، فاسد المخبر، أنظر في مرآة المراءات، وأسّر مساواة المساءات، وأديم المناجاة جلوة، وأقيم المداجاة خلوة، آمر الناس بالرّشاد، وأنا أتوسّد وسادة الفساد.

وقال ابن عمر رضي الله عنهما: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «من أحسن الصلاة حين يراه الناس، ثم أساءها حين يخلو، فتلك استهانة يستهين بها ربه».

قوله: تسليك عن أناسك، أي اشتغالك عن أهلك وبلدك، وهو مسقط رأسه، أي الموضع الذي سقط فيه رأسه عند ولادته. خطابتك: فصاحتك في خطبتك. إدناسك:

عيبك وتلطيخ عرضك. مدار: دورانه في أيدي الشاربين.

***

فأشاح بوجهه عنّي، وقال: اسمع منّي: [المنسرح]

لا تبك إلفا نأى ولا دارا ... ودر مع الدّهر كيفما دارا

واتّخذ النّاس كلّهم سكنا ... ومثّل الأرض كلّها دارا

<<  <  ج: ص:  >  >>