واصبر على خلق من تعاشره ... وداره فاللّبيب من دارى
ولا تضع فرصة السّرور فما ... تدري: أيوما تعيش أم دارا
واعلم بأنّ المنون جائلة ... وقد أدارت على الورى دارا
وأقسمت لا تزال قانصة ... ما كرّ عصر المحيا وما دارا
فكيف ترجى النّجاة من شرك ... لم ينج منه كسرى ولا دارا
***
أشاح: نحّى معرضا، وأشاح في الأمر: صمم عليه. إلفا: صاحبا. نأى: بعد، يقول له جوابا للومة: لا تبك صاحبا بعد عنك، ولا منزلا تغرّبت عنه، وتقلّب مع الدهر كما يتقلب مع أهله. ودر، من الدوران سكنا: أهلا وإلفا تسكن إليه. ومثّل الأرض كلها دارا، أي بلدا، والدار البلد في قوله تعالى: فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ [العنكبوت:
٣٧] تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ [هود: ٦٥] داره: لاينه وسايسه. اللبيب: العاقل دارى:
أحسن مخالطة الناس، وأصلها الخداع، تقول العرب: دريت الصيد أدريه دريا، وداريته أداريه مداراة، والدرية بعير يقعد عنده الصائد، يستتر به فيجيء الصيد فيأنس بالبعير، فيرميه من قرب. وكان الحسن يقول: المداراة تستحلب مودة القلوب فتخدعهم في عقولهم. وفي الحديث: «أحبّ الناس تحبّبا إلى الله أكثرهم تحبّبا إلى الناس» وفيه: «إذا أحب الله عبدا حبّبه إلى الناس».
وقال ابن عبد ربه: [الكامل]
وجه عليه من الحياء مهابة ... ومحبّة تجري مع الأنفاس
وإذا أحبّ الله يوما عبده ... ألقى عليه محبة للناس
كتب عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه إلى سعد بن أبي وقاص: إن الله، إذا أحبّ عبدا حبّبه إلى الناس، واعتبر منزلتك من الله بمنزلتك من الناس، واعلم أنّ مالك من الله بمنزلة ما للناس عندك.
وقال بعضهم: أتيت الخليل فوجدته على طنفسة صغيرة، فوسّع لي، فكرهت أن أضيّق عليه فتأخرت، فأخذ بعضدي، وقدّمني إلى نفسه، وقال: لا يضيق سمّ الخياط بمتحابين ولا تسع الأرض متباغضين، أخذه ابن عبد ربه فقال: [البسيط]
صل من هويت وإن أبدى مباغضة ... فأطيب العيش وصل بين إلفين
واقطع حبائل خدن لا تلائمه ... فقلّما تسع الدنيا بغيضين
ولأبي محمد بن أبي الوليد المالقي: [البسيط]