سنة متّبعة إلّا ما جعل الله في ذلك من تأليف البعيد، وبرّ القريب، لسارع إليه الموفّق المصيب، وبادر إليه العاقل اللبيب.
وفلان قد عرفتموه في نسب لم تجهلوه، خطب إليكم فتاتكم فلانة، وقد بذل لها من الصداق كذا، فشفّعوا شافعنا، وأنكوا خاطبنا، وقولوا خيرا تحمدوا عليه وتؤجروا فيه.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.
وخطب رجل من بني أمية إلى عمر بن عبد العزيز أخته، فأطال، فقال عمر:
الحمد لله ذي الكبرياء، وصلّى الله على محمد خاتم الأنبياء، أما بعد فإن الرغبة منك دعت إلينا، وإن الرغبة منا فيك أجابت بنا، وقد أحسن بك ظنا من أودعك كريمته، واختارك ولم يختر عليك، وقد زوّجناك على كتاب الله تعالى، إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان.
وكان الحسن البصريّ رحمه الله يقول في خطبة النكاح بعد الحمد والثناء.
أما بعد فإن الله تعالى جمع لهذا النكاح الأرحام المنقطعة، والأنساب المفترقة، وجعل ذلك في سنة من دينه، ومنهاج من أمره، وقد خطب فلان إليكم، وعليه وعليكم من الله نعمة، وهو يبذل من الصدق كذا، فاستخيروا الله، وردوا خيرا، يرحمكم الله!
الأصمعي رحمه الله: كانوا يستحسنون من الخاطب أن يطيل ليدل على الرغبة، ومن المخطوب إليه الإنجاز ليدل على الإجابة.
***
فلمّا فرغ من خطبته البديعة النّظام، العريّة من الإعجام، عقد العقد على الخمس المئين، وقال لي: بالرّفاء والبنين. ثمّ أحضر الحلواء التي كان أعدّها، وأبدى الآبدة عندها. فأقبلت إقبال الجماعة عليها، وكدت أهوي بيدي إليها، فزجرني عن المؤاكلة، وأنهضني للمناولة؛ فو الله ما كان بأسرع من تصافح الأجفان، حتّى خرّ القوم للأذقان. فلمّا رأيتهم كأعجاز نخل خاوية، أو كصرعى بنت خابية؛ علمت إنّها لإحدى الكبر، وأمّ العبر؛ فقلت له: يا عديّ نفسه، وعبيد فلسه، أعددت للقوم حلوى، أم بلوى؟ فقال: لم أعد خبيص البنج، في صحاف الخلنج. فقلت: أقسم بمن أطلعها زهرا، وهدى بها السّارين طرّا؛ لقد جئت شيئا نكرا، وأبقيت لك في المخزيات ذكرا!