الجنة، والسلسبيل الخمر. والمروج: المواضع الخصبة. مغانيهم: منازلهم. والبروج:
منازل القمر، وأراد أنهم في الحسن والرفعة كالنجوم، وأن دورهم في العلوّ والاستواء كالبروج.
وسبقه الحلواني القيرواني إلى هذا التشبيه، فقال يتشوّق إلى القيروان بعد خرابها:
[الخفيف]
ليت شعري وليت حرف تمنّ ... ربّما علل الفؤاد السّقيما
كيف يا قيروان حالك لمّا ... نثر البين سلكك المنظوما
كنت أمّ البلاد شرقا وغربا ... فمحا الدهر وشيك المرقوما
نحن أولادها ولكن عققنا ... بعد أن لم نطق بها أن نقيما
دمن كانت البروج وكنّا ... أمرا في قبابها ونجوما
وقال السريّ يتشوق إلى الموصل وكان بحلب: [الكامل]
أمحلّ صبوتنا دعاء مشوق ... يرتاح منك إلى الهوى الموموق
فمتى أزور قباب مشرفة الذّرا ... فأدور بين النّسر والعيّوق
وأرى الصّوامع في غوارب أكمّها ... مثل الهوادج في غوارب نوق
محمرة الجدران ينتح طيبها ... فكأنّها مبنيّة بخلوق
حمرا تلوح خلالها بيض كما ... فصّلت بالكافور بين عقيق
كلف تذكّر قبل ناهية النّهى ... ظلّين: ظلّ هوى وظلّ حديق
فتفرّقت عبراته في خدّه ... إذ لا مجير له من التفريق
وقال الثعالبي: ما نظرت إلى الصوامع مذ برزت من نيسابور إلا ذكرت بيته، فأرى الصوامع، واستأنفت العجب من حسن هذا التشبيه وبراعته.
***
قوله: نفحة ريّاها، أي حركة رائحتها الطيبة. مرآها البهيج: منظرها الحسن، وأزاهير رباها: أنوار كداها، وهي جمع أزهار، وأزهار جمع زهر، وهو النّور. تنجاب:
تزول.
ثم قال: سروج هي الموضع الذي أرست به جنة الدنيا، أي ثبتت فيه فكأنه قال:
جنة الدنيا هي سروج. وسروج هذه بلد بقري وعمارات، وهي من بلاد الجزيرة وكورها المشهورة، والجزيرة انقسمت قسمين: ديار ربيعة وديار مضر، وسروج من كور ديار مضر، وهي ثغرية إذا كان للمسلمين قوّة يملكونها، وإذا ضعفوا غلبهم الروم، عليها وهي كثيرة الثلج والبرد.