للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكسوه. وقشرته: ثوبه، لأنه قدّم أنّ هيئته كانت رثّة، فاحتاجوا أن يكسوه.

***

قال المخبر بهذه الحكاية: فلمّا رأيت تلهّب جذوته، وتألّق جلوته، أمعنت النّظر في توسّمه، وسرّحت الطّرف في ميسمه، فإذا هو شيخنا السّروجيّ، وقد أقمر ليله الدّجوجيّ، فهنّأت نفسي بمورده، وابتدرت استلام يده، وقلت له: ما الّذي أحال صفتك، حتّى جهلت معرفتك، وأيّ شيء شيّب لحيتك، حتّى أنكرت حليتك! فأنشأ يقول: [المجثث]

وقع الشّوائب شيّب ... والدّهر بالنّاس قلّب

إن دان يوما لشخص ... ففي غد يتغلّب

فلا تثق بوميض ... من برقه فهو خلّب

واصبر إذا هو أضرى ... بك الخطوب وألّب

فما على التّبر عار ... في النّار حين يقلّب

ثم نهض مفارقا موضعه، ومستصحبا القلوب معه

***

تلتهب جذوته: اشتعال جمرته واتّقادها؛ وأراد حدّة ذهنه، والجذوة: النار في طرف العود. تألق: لمعان. جلوته: ما جلاه وكشفه من وجهه، وتقول: جلوت العروس جلوة، إذا أزلت نقابها، وأظهرت وجهها، والجلوة بالكسر: هيئة جلوة حين يجلى، وأراد بتألّق جلوته بريق وجهه. أمعنت: بالغت وأدمت النظر، وأصله من أمعن في الأرض إذا أبعد الذهاب فيها. توسمه: نظر سماته، وهي علامته التي يعرف بها، ويريد أنه أدام النظر في نعوته. سرّحت الطّرف: أرسلت العين بالنظر، وأصل الطرف تحرّك العين عند النّظر، تقول: طرفت العين طرفا. والعين: الجارحة، والبصر: ما تدركه بنظرها، ثمّ سمّيت العين طرفا لذلك. وميسمه: علامته. أقمر: ابيضّ، فصار مثل لون القمر. الدّجوجيّ: الشديد السواد، وأراد نبات شعره الأسود.

قوله: «بمورده»، أي بقدومه وإتيانه، تقول: ورد علينا فلان، إذا قدم عليك من بلد آخر، والمورد: مصدر ورد، وهو بمعنى الورود، لأنه قدّم أنه غاب عنه مدّة لا يعرف له موضعا، ولا يجد عنه مخبرا؛ حيث قال: «واستتر عنّي حينا»، فلما رآه ببلده بالبصرة فرح بقدومه وهنّأ نفسه على ذلك.

استلام: تقبل اليد. ابن الأنباريّ: استلم الحجر، معناه أخذه ومسّه بيده، واستلم، افتعل، من المسالمة. يريد أخذ الحجر وضمّه إليه، أو يكون استفعل، من اللأمة وهي

<<  <  ج: ص:  >  >>