والحرم له ثلاثمائة سوار من الرخام، وذرع الحرم في الطول أربعمائة ذراع، وفي العرض ثلاثمائة ذراع، فتكسيره ثمانية وأربعون مرجعا، وله تسع صوامع وتسعة عشر بابا، أكثرها مفتّح على الأبواب، منها باب الصفا، وهو مفتح على خمسة أبواب، وهو أكبرها، وعليه يخرج إلى السعي بين الصفا والمروة. وللصفا أربع عشرة درجة، وللمروة خمسة، وما بين الصفا والمروة ميل، وهو اليوم سوق جميل، يجمع الفواكه بمكّة وحوانيت الباعة يمين وشمال فلا يكاد الساعون يخلصون للسعي لكثرة الزحام.
وقبّة بئر زمزم تقابل الحجر الأسود، منها إليه أربع وعشرون خطوة، وداخلها مفروش بالرخام الأبيض وتنور البئر في وسطها من رخام دوره أربعون شبرا، وارتفاعه أربعة أشبار ونصف، وغلظه شبر، وعمقه إحدى عشرة قامة، وعمق الماء سبع، وباب القبة ناظر إلى الشرق.
ثم ذكر في البيت وما يتصل به من البئر من ذلك غرائب من صنع الرخام والنقوش وغير ذلك أشياء لا يسع كتابنا ذكرها، فلنقتصر على هذا القدر.
***
فعصفت بي ريح الغرام، واهتاج لي شوق إلى البيت الحرام؛ فزممت ناقتي، ونبذت علقي وعلاقتي:[الوافر]
وقلت للائمي أقصر فإنّي ... سأختار المقام على المقام
وأنفق ما جمعت بأرض جمع ... وأسلو بالحطيم عن الحطام
ثمّ انتظمت مع رفقة كنجوم اللّيل، لهم في السّير، جرية السّيل، وإلى الخير جري الخيل؛ فلم نزل بين إدلاج وتأويب، وإيجاف وتقريب، إلى أن حبتنا أيدي المطايا بالتّحفة، في إيصالنا إلى الجحفة؛ فحللناها متأهّبين للإحرام، متباشرين بإدراك المرام، فلم يك إلّا أن أنخنا بها الرّكائب، وحططنا الحقائب، حتّى طلع علينا من بين الهضاب، شخص ضاحي الإهاب؛ وهو ينادي: يا أهل ذا النادي، هلمّ إلى ما ينجي يوم التّنادي. فانخرط إليه الحجيج وانصلتوا، واحتفّوا به وأنصتوا. فلمّا رأى تأثّفهم حوله، واستعظامهم قوله، تسنّم إحدى الآكام، ثم تنحنح مستفتحا للكلام، وقال: