ثمّ نهضنا نتّبع الهادي، ونؤمّ النّادي، حتّى إذا أظللنا عليه، واستشرفنا الفقيه المنهود إليه، ألفيته أبا زيد ذا الشّقر والبقر، والقواقر والفقر، وقد اعتمّ القفداء، واشتمل الصّمّاء، وقعد القرفصاء، وأعيان الحيّ به محتفّون، وأخلاطهم عليه ملتفّون، وهو يقول: سلوني عن المعضلات، واستوضحوا منّي المشكلات، فو الّذي فطر السّماء، وعلّم آدم الأسماء، إنّي لفقيه العرب العرباء، وأعلم من تحت الجرباء. فصمد له فتى فتيق اللّسان، جريء الجنان، وقال: إنّي حاضرت فقهاء الدّنيا، حتّى انتخلت منهم مائة فتيا، فإن كنت ممّن يرغب عن بنات غير، ويرغب منّا في مير، فاستمع وأجب، لتقابل بما يجب، فقال: الله أكبر، سيبين المخبر، وينكشف المضمر، فاصدع بما تؤمر.
***
الهادئ: الدليل. نؤمّ: نقصد. النادي: مجتمع القوم. أظللنا: قربنا منه ودنونا وأشرفنا عليه. استشرفنا: نظرنا وتأمّلنا، والاستشراف: أن تضع يدك على حاجبك من الشمس إذا أردت النّظر إلى شيء يبعد منك. المنهود: المقصود، ونهدت إليه ونهضت بمعنى، ونهد ينهد نهدا، أي شخص ونهض. وقيل: أكثر ما يستعمل هذا في الحرب، يقال: نهد إلى العدوّ، إذا نهض ليقاتله. ألفيته: وجدته. ذا الشّقر والبقر: صاحب الدواهي، يقال: جاءنا بالشّقر والبقر، إذا جاء بالكذب المستفظع، وجاء بالشّقارى والبقّارى، أي بالكذب. والفواقر: قواصم الظّهر، يراد بها الدواهي، والفاقرة: الكاسرة للفقار، وهو عظم الصّلب. والفقر في النثر، مثل القوافي في الشعر. القفداء، بالقاف قبل الفاء: أن يلفّ عمامته على رأسه ولا يرسل منها شيئا. ابن سيده: القفداء: والقفد، إذا لوى عمامته على رأسه، ولم يسدلها، قال الأزهريّ رحمه الله تعالى: العمّة القفداء معروفة، وهي الميلاء، والسنّة أن يتعمّمو يسدل خلف ظهره.
ابن عمر رضي الله عنهما. كان النبي صلّى الله عليه وسلم إذا تعمّم سدل عمامته بين كتفيه (١).
والصّمّاء: أن تجلّل نفسك بالثوب غير المخيط، ولا ترفع شيئا من جوانبه، فتكون فيه فرجة تخرج منها اليد، وإنما نهى عن ذلك مخافة أن تصيبه شدّة في تلك الحالة، وهو لا يقدر على إخراج يده، فيدفعها فيهلك.
(١) أخرجه الترمذي في اللباس باب ١٢، بلفظ: «إذا اعتمّ سدل عمامته بين كتفيه».