وقال الفنجديهيّ: رأيت بخط الحريريّ: اشتمل الصّمّاء، أي التحف بثوب جلّل جسده، وقيل لها صمّاء لأنها لا منفذ فيها كالصخرة الصماء، التي لا صدع فيها ولا خرق، وهي عند الفقهاء أن يشتمل بثوب واحد ليس عليه غيره، ثم يرفعه من أحد جانبيه فيضعه على منكبيه، فتبدو عورته، فنهي عن ذلك.
وقال الأزهريّ: هذا أصحّ الكلام، والفقهاء أعلم بتأويل هذا. والقرفصاء: أن يقعد على إليتيه، وينصب ساقيه، ويلصق فخذيه ببطنه ويحتبي بيديه فيضعهما على ساقيه، قاله أبو عبيد. وقيل: هي جلسة المحتبي، ثم يرفع فخذيه وركبتيه إلى صدره، ويدير يديه على ساقيه، ويشدّهما، فإذا فعلت ذلك بالرجل وشدّدت يديك عليه، فقد قرفصته.
الفنجديهي: رأيت بخط الحريريّ: معناه أن يحتبي بيديه، قال أبو أمامة: كان النبيّ صلّى الله عليه وسلم يجلس القرفصاء فيضع يده اليمنى على الشمال عند المفصل (١). وتقرفص الرّجل، إذا جمع يديه وانضمّ من جرب أو قروح به.
أعيان: أشراف. محتفّون: محلّقون، والمنزل محفوف بالناس إذا اجتمعوا بحفافيه، أي بجانبيه. والأخلاط: الدّون من الناس. والمعضلات: الغامضات من الكلام الصّعب. واستوضحوا، أي طلبوا منّي إيضاحها، أي بيانها. فطر: خلق، وفطر الله الخلق ابتدأ خلقهم، قال ابن عباس: ما كنت أدري ما فاطر السموات والأرض حتى احتكم إليّ أعرابيّان في بئر، فقال أحدهما: أنا فطرتها، أي ابتدأتها، وقال الله تعالى: إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي [هود: ٥١] أي خلقني. ويتفطّرن: يتشقّقن، وانفطرت: تشقّقت. وعلّم آدم الأسماء كلّها، أي علمه أسماء كل شيء من المخلوقات. وفقيه العرب، أي عالمهم، وقال تعالى: لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ [التوبة: ٢٢] أي ليكونوا علماء به، وكلّ عالم بشيء فهو فقيه فيه، ويقال: فقهت عنك، أي فهمت، وفقهت فقها، أي صرت فقيها، وهو الحاذق بما يعلمه، وفقهت الرجل: غلبته في الفقه، العرباء: الخالصة، وهذا الادّعاء الذي يدعى الآن يسمى انتحال العلم.
وقال بعض الحكماء: لا ينبغي لأحد أن ينتحل العلم.
وقال مقاتل بن سليمان يوما، وقد دخلته أبّهة العلم: سلوني عمّا تحت العرش إلى أسفل الثرى، فقال له رجل: ما نسألك عن شيء من ذلك، إنّما نسألك عما معك في الأرض، أخبرني عن كلب أهل الكهف ما كان لونه؟ فأفحمه.
ولما شهرت تآليف ابن قتيبة، ولحظ بعين العالم المتفنّن، صعد المنبر، وقد غصّ المحفل واعتلى، تبريزا على علماء وقته، مع فضل جاه اشتمل به من السلطان، فقال:
(١) أخرجه أبو داود في الأدب باب ٢٢، بلفظ: «رأت النبي صلّى الله عليه وسلم وهو قاعد القرفصاء»، ورواه ابن الأثير الجزري في النهاية في غريب الحديث ٤/ ٤٧. بلفظ: «فإذا رسول الله صلّى الله عليه وسلم جالس القرفصاء».