ألا من مبلغ عني ال ... ذي والده برد
إذا ما نسب النّاس ... فلا قبل ولا بعد
وأعمى يشبه القردا ... إذا ما عمي القرد
فقال: بشار عند ما سمع هذا البيت: ما أخطأ ابن الزانية من حين شبّهني بقرد وجعل يبكي ويقول: ما حيلتي! يراني ويشبّهني، ولا أراه فأشبهه! وبعده: [مجزوء الوافر]
ولو تلقيه في صلد ... صفا لا نصدع الصّلد
هو الكلب إذا ما ما ... ت لم يوجد له فقد
وأنشده رجل قول حماد: [الطويل]
دعيت إلى برد وأنت لغيره ... وهبك لبرد نكت أمك من برد
فقال: هاهنا أحد؟ قال: لا، قال: أحسن والله ابن الزانية، ولقد تهيّأ له في بيت واحد عليّ خمسة معان من الهجو، وهي: «دعيت إلى برد» معنى «وأنت لغيره» معنى ثان، و «هبك لبرد» معنى ثالث، «نكت أمك» شتم واستخفاف مجرّد، وهو معنى رابع، ثم ختمها بقوله: «من برد» فأتى بالطامّة الكبرى.
وأوجع ما مرّ عليه من قول حماد: [السريع]
لو طليت جلدته غنبرا ... لأفسدت جلدته العنبرا
أو طليت مسكا ذكيّا إذا ... تحوّل المسك عليه خرا
كان حفص بن أبي بردة أفطس أعفص مقبّح الوجه، وكان حماد صديقه، فتناشدوا الشعر يوما، فطعن حفص على مرقّش، فقال حماد: [الطويل]
لقد كان في عينيك يا حفص شاغل ... وأنف كثيل العوذ عمّا تتبّع
تتبّع لحنا في كلام مرقّش ... ووجهك مبنيّ على اللّحن أجمع
فأذناك إقواء وأنفك مكفأ ... وعيناك إيطاء، فأنت المرقّع
أخذ تشبيه الأنف بالثّيل من قول كعب في الوليد بن عبد الملك: [المتقارب]
فقدت الوليد وأنفا له ... كثيل البعير أبى أن يبولا
قال أبو زيد: رأيت أعرابيّا كأنّ أنفه كوز من عظمه، فرآنا نضحك، فقال لنا: ما يضحككم! فو الله لقد كنت في قوم يسمّوني الأفطس.
وقال الشاعر: [المتقارب]
إذا أنت أقبلت في حاجة ... إليه فكلّمه من خلفه
فإن أنت واجهته بالكلا ... م لم يسمع الصّوت من أنفه