عن خطبته، فقيل له في ذلك، فقال: إن السامع والمتكلم شريكان، ألم تسمع قول الشاعر:[المتقارب]
فجاء به ناطق منهم ... بليغ ومستمع صامت
فكلّ له حظّه أنه ... أعان مع الناطق الساكت
وقال عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود:[السريع]
إن كنت لا ترهب ذمّي لما ... تعلم من صفحي عن الجاهل
فاخش سكوتي إذ أنا منصت ... فيك لمسموعي خنى القائل
فالسامع القول كمن قاله ... والموكّل المأكول كالآكل
وذكر الفنجديهيّ الشافعيّ، فقال: هو إمام الأنام، ونظام الإسلام، أحد الأئمة الأربعة الأطواد، الشامخة في الدين الأجواد، رضيع لبان النبوّة، أفضل العلماء، وأعلم الفضلاء، وصدر البدور وبدر الصدور، وهادي الدّعاة، وداعي الهداة، إكسير العلوم، وإكليل الرسوم.
علم العلماء شظيّة من علمه، وحلم الحلساء جذوة من حلمه، وعقائد الأصول مقتدحة من زناد كلماته، وقواعد الفروع مقترحة من عداد نغماته، فارس هيجاء المشكلات، ومقوّم عوجاء المعضلات، منبع السّنن، ومتّبع السّنن، فاز بغلبات الأقران، وحاز قصبات الرّهان، بطهارة الأعراق، ودماثة الأخلاق، وفخامة شرف الأمومة، وكرامة طرفي الأبوّة والعمومة، درّة الأصداف، من صميم آل عبد مناف، كشف الظّلمة عن الأمة، وصرف عنهم المظلمة المدلهمّة، بعلم كالبحر اللجّيّ، ورأي كالبدر في اللّيل الدجيّ، مذهبه مؤيّد بنصوص القرآن، وفصول الفرقان، أسّس بنيانه على تقوى من الله ورضوانه، فهو بين المذاهب والأديان، كالناظر في الأجفان والسمع في الآذان، والعقل في الإنسان، والعدل للسلطان، أحلّه الله محلّ القدس، وأدلى إليه سحاب الأنس .. في كلام أكثر من هذا.
***
فقال: دع الهتار، ولا تهتك الأستار، وانهض بنا لنضرب إلى مسجد يثرب، فعسى أن نرحض بالمزار، درن الأوزار فقلت: هيهات أن أسير، أو أفقه التفسير، فقال: تالله لقد أوجبت ذمما، وطلبت إذ طلبت أمما. فهاك ما يشفي النّفس، وينفي اللّبس، قال: فلمّا أوضح لي المعمّى، وكشف عنّي الغمّى، شددنا الأكوار، وسرت وسار. ولم أزل من مسامرته، مدّة مسايرته، فيما أنساني طعم المشقّة، ووددت معه بعد الشّقة، حتّى إذا دخلنا مدينة الرّسول، وفزنا من الزّيارة بالسّول، أشأم وأعرقت، وغرّب وشرّقت.