للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السارون: الماشون بالليل. عانه: أصابه بالعين. ازورّ: انقبض. عاف: كره: عافى العرف: طالب المعروف. عرفانه: معرفته. همّه: أذابه وشانه: عابه.

ومن كلام العرب في هذا الباب، ما حكى الأصمعيّ رحمه الله: أنّ الأعراب أصابتهم سنوات كثيرة جدبة، فدخلت طائفة منهم البصرة وبين أيديهم أعرابي يقول: أيّها الناس، إخوانكم في الدين، وشركاؤكم في الإسلام، عابر وسبيل وفلّال بؤس، وصرعى جدب، تتابعت علينا سنون ثلاث غيّرت النّعم، وأكلت النّعم، فأكلنا ما بقي من جلودها فوق عظامها، فلم نزل نعلّل بذلك نفوسنا، ونمنّي بالغيث قلوبنا، حتى عاد مختارا، وعاد إشراقنا ظلاما، فأقبلنا إليكم يصرعنا الوعر، وينكينا السهل، وهذه آثار مصائبنا لائحة في قسماتنا. فرحم الله متصدّقا من كثير، أو مواسيا من قليل، فلقد عظمت الحاجة، وكسف البال، وبلغ المجهود، والله يجزي المتصدّقين.

وقف أعرابي على حلقة يونس النحويّ، فقال: الحمد لله، وأعوذ به أن أذكّر به وأنساه، إنّا أناس قد قدمنا هذه المدينة: ثلاثون رجلا، لا ندفن ميّتا، ولا نتحوّل عن منزل، وإن كرهناه، فرحم الله عبدا تصدّق على ابن سبيل، ونضو طريق، وفلّ سنة، فإنه لا قليل من الأجر، ولا غنى عن الله. ولا عمل بعد الموت، يقول الله تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ* [البقرة: ٢٤٥] و [الحديد: ١١]، إن الله لا يستقرض من عوز، ولكن ليبلو أخبار عباده.

قال الأصمعيّ رحمه الله: وقف أعرابيّ علينا، فقال: تتابعت علينا سنون، بتغيير وانتقاص، فما تركت لنا ضيعا (١) ولا ريعا (٢)، ولا نافطة ولا عافطة (٣)، ولا ثاغية (٤) ولا راغية (٥)، فأماتت الضّرع وأفنت الزّرع، وعندكم من فضل الله نعمة فأعينوا من عطيّة الله إياكم، وارحموا أبا أيتام، وأنضاء زمان، فلقد خلّفت أقواما لا يمرّضون مريضهم ولا يكفّنون ميتهم، ولا ينتقلون من المنزل وإن كرهوه، ولقد مشيت إليكم حتى انتعلت الدماء، وجعت حتى أكلت النوى المحرقة.

وقفت أعرابية على عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فقالت: إنّي أتيت من أرض شاسعة، تهبطني هابطة، وترفعني رافعة، في ملحّات من البلايا، برين لحمي، وهضن عظمي، وتركتني والهة، وقد ضاق بي البلد، بعد الأهل والولد، وكثرة العدد، لا قرابة تؤويني، ولا عشيرة تحميني فسألت أحياء العرب: من المرتجى سيبه، المأمون عيبه، الكثير نائله، المكفي سائله، فدللت عليك، وأنا امرأة من هوازن، فقدت الوالد والرّافد، فاصنع في أمري واحدة من ثلاث: إمّا أن تحسن صفدي (٦)، وإما أن تقيم


(١) الضيع، جمع ضيعة: هي العقار.
(٢) الربع: مسيل الوادي من كل مكان مرتفع.
(٣) النافطة والعافطة: هي النعجة.
(٤) الثغاء: هو صوت الغنم.
(٥) الرغاء: هو صوت البعير أو الناقة.
(٦) الصفد: هو العطاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>