للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أودي (١)، وإما أن تردّني إلى بلدي، فقال: بل أجمعهنّ لك ففعل بها ذلك.

خرج المهديّ يطوف بالبيت بعد هدأة من الليل، فسمع أعرابيّة من جانب المسجد، وهي تقول: قوم متظلّمون، نبت عنهم العيون، وفدحتهم الديون، وعضّتهم السّنون، بادت رجالهم، وذهبت أموالهم، أبناء سبيل، وأنضاء طريق، وصية الله ووصية رسوله صلى الله عليه وسلم، فهل من آمر بخير كلأه الله في سفره، وخلفه في أهله! فأمر لها بخمسمائة درهم.

ومما جاء في ذم السؤال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب فيه أهون من أن يأتي رجلا أعطاه الله من فضله، فيسأله؛ أعطاه أو منعه» (٢).

وقال صلى الله عليه وسلم: «من فتح على نفسه بابا من السؤال، فتح الله عليه سبعين بابا من الفقر» (٣).

وقال أكثم بن صيفي: كلّ سؤال وإن قلّ أكثر من كلّ نوال وإن جلّ.

وقال ابن عباس رضي الله عنهما: المساكين لا يعودون مريضا، ولا يشهدون جنازة، ولا يحضرون جمعة، وإذا اجتمع الناس في أعيادهم ومساجدهم يسألون الله من فضله، اجتمعوا يسألون الناس ما بأيديهم.

سأل سائل بمسجد الكوفة فلم يعط شيئا، فقال: اللهمّ إنك بحاجتي عالم لا تعلّم، أنت الذي لا يعوزك نائل، ولا يلحفك سائل، ولا يبلغ مدحك قائل؛ أسألك صبرا جميلا، وفرجا قريبا، وبصرا بالهدى، وقوّة فيما تحب وترضى فتبادروا إليه بالعطية، فقال: لا والله لا أرزؤكم الليلة شيئا، ثم خرج وهو يقول: [الكامل]

ما نال باذل وجهه بسؤاله ... عوضا ولو نال الغنى بسؤال

وإذا النّوال مع السؤال وزنته ... رجح السؤال، وخفّ كلّ نوال

وإذا بليت ببذل وجهك سائلا ... فابذله للمتكرّم المفضال

وقال بعض الأدباء: المخذول من كان له إلى اللئام حاجة.

وأنشد الجاحظ في نوادره لأعرابيّ: [الكامل]

سير النّواعج باللّميعة في الضّحى ... يمشي الذليل بها على بلبال


(١) الأود: الاعوجاج.
(٢) أخرجه البخاري في الزكاة باب ٥٠، ٥٣، والبيوع باب ١٥، والمساقاة باب ١٣، والترمذي في الزكاة باب ٣٨، والنسائي في الزكاة باب ٨٥، وأحمد في المسند ١/ ١٢٤، ٢/ ٢٤٣، ٢٥٧، ٣٠٠، ٣٩٥، ٤١٨، ٤٧٥، ٤٩٦.
(٣) أخرجه الترمذي في الزهد باب ١٧، وأحمد في المسند ١/ ١٩٣، ٤١٨، ٤/ ٢٣١. بلفظ: «لا يفتح الإنسان على نفسه باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر».

<<  <  ج: ص:  >  >>