للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالحجّ إن حجّت وماذا منى ... وأهله إن هي لم تحجج!

فما استطاعت غير أن أومأت ... نحوي بعيني شادن أدعج

وقال أيضا: [الكامل]

باتا بأنعم ليلة حتّى بدا ... صبح يلوّح كالأغرّ الأشقر (١)

فتلازما عند الفراق صبابة ... أخذ الغريم بفضل ثوب المعسر

فلمّا شاع نسيبه بها قبض عليه ابنها محمد عند ولايته الحجاز، بسبب طلبة عليه، فضربه بالسياط وألقى الزّيت على رأسه، وأوقفه للناس في الشمس، حتى غشي عليه، وسجنه بضع سنين حتى مات في سجنه، فقال في السجن: [الوافر]

أضاعوني وأيّ فتى أضاعوا ... ليوم كريهة وسداد ثغر (٢)

وخلّوني ومعترك المنايا ... وقد شرعت أسنّتهم لنحري

كأنّي لم أكن فيهم وسيطا ... ولم تك نسبتي في آل عمرو

أجرّر في المجامع كلّ يوم ... فيا لله مظلمتي وقسري!

عسى الملك المجيب لمن دعاه ... ينجيني ويعلم كيف شكري

فأجزي بالكرامة أهل ودّي ... وأجزي بالعداوة أهل وتري

فلما أفضت الخلافة إلى الوليد بن يزيد بن عبد الملك، قبض على محمد بن هشام وأخيه إبراهيم ودعا لهم بالسّياط، فقال له محمد: أسألك بالقرابة! قال: وأيّ قرابة بيني وبينك؟ قال: فاسألك بصهر عبد الملك! فقال: لم تحفظه، فقال: يا أمير المؤمنين إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يضرب قرشيّ إلا في حدّ، فقال: ففي حدّ أضربك وقود، قال:

وما ذاك؟ قال: أنت أوّل من سنّ ذلك على العرجي وهو ابن عمي وابن أمير المؤمنين عثمان بن عفان، فما رعيت [حقّ] جدّه ولا نسبه بهشام من قبل أمّه، اضربهما يا غلام، فضربهما ضربا مبرّحا، وأثقلا بالحديد ووجّه بهما إلى يوسف بن عمر، وأمره بتعذيبهما، فضربهما حتى ماتا.

وغنى إسحاق الموصلي الرشيد قوله: [الوافر]

* أضاعوني وأيّ فتى أضاعوا*

فسأل عن سبب هذا الشعر، فأخبره بحديث العرجي، قال إسحاق: فرأيته يتغيّظ، فلما أخبرته بما فعل بابني هشام، جعل وجهه يسفر وغيظه يسكن، ثم قال: يا إسحاق، لولا ما حدّثتني به من فعل الوليد، لما تركت أحدا من أماثل بني مخزوم إلا قتلته بالعرجيّ.


(١) ديوان العرجي ص ١٧٨.
(٢) ديوان العرجي ص ٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>