ليلة وعليّ أطمار أخلاق، فقال: يا نضر، ما هذا التقشّف! تدخل على أمير المؤمنين في هذه الخلقان؟ فقلت: أنا شيخ ضعيف، وحرّ مرو شديد، فأتبرد بهذه الخلقان، قال: لا، ولكنك قشف، فيحمل منك هذا على التقشف. ثم أجرينا الحديث، فقال: حدّثنا هشيم، عن مجاهد، عن الشعبيّ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا تزوج الرجل المرأة لدينها ولجمالها وكمالها، كان فيها سداد من عوز» فأورده بفتح السين، قلت: يا أمير المؤمنين، حدّثنا عوف بن أبي جميلة الأعرابيّ، عن الحسن عن عليّ بن أبي طالب رضوان الله عليهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا تزوج الرّجل المرأة لدينها ولجمالها وكمالها كان فيها سداد من عوز»، وكان المأمون متكئا فاستوى جالسا، وقال: كيف قلت يا نضر «سداد»؟ قلت: سداد لأنّ «السّداد» هنا لحن، قال: أو تلحّنني! قلت: إنما لحن هشيم- وكان لحّانة- فتبع أمير المؤمنين لفظه، فقال: فما الفرق بين السّداد والسّداد؟ قلت: السّداد القصد في الدين والسبيل والسّداد بالكسر البلغة في الشيء، وكلّ ما سددت به شيئا فهو سداد، قال: أو نعرف العرب ذلك؟ قلت: نعم هذا العرجي من ولد عثمان، يقول:[الوافر]
أضاعوني وأيّ فتى أضاعوا ... ليوم كريهة وسداد ثغر
ثم أطرق مليّا، وقال: قبح الله من لا أدب له! ثم تجارينا الحديث، فقال: كيف روايتك للشعر؟ قلت: قد رويت الكثير منه، قال: فأنشدني أحسن ما قالته العرب في الحلم فأنشدته: [الطويل]
إذا كان دوني من بليت بجهله ... أبيت لنفسي أن أقابل بالجهل
وإن كان مثلي في محلّ من العلا ... هويت إذا حلما وصفحا عن المثل
وإن كنت أدنى منه في الفضل والحجا ... رأيت له حقّ التّقدّم والفضل
فقال: ما أحسن ما قال! فأنشدني أحسن ما قالته العرب في الحزم فأنشدته: [الطويل]
على كلّ حال فاجعل الحزم عدّة ... لما أنت باغية وعونا على الدّهر
فإن نلت أمرا نلته عن عزيمة ... وإن قصّرت عنه الحقوق فمن عذر
قال: فما أحسن ما قال! فأنشدني أحسن ما قالته العرب في إصلاح العدو حتى يكون صديقا، فأنشدته:[الطويل]