أخوهم ومولاهم وحامل سرّهم ... ومن قد ثوى فيهم وعاشرهم دهرا
أشوقا ولمّا تمض لي غير ساعة ... فكيف إذا خبّ المطيّ بنا شهرا!
فقلت: يا غلام، أتعرف منزل مولاك من هاهنا؟ فقال: هيهات، وهل تخفي معالم الصبّ! فقلت: اذهب فأنت حرّ لوجه الله تعالى، ووهبت له ألف دينار، فقال لي زميلي:
أمثل هذا يعتق؟ فقلت: أو مثله يملك! فولّى وهو يقول: [البسيط]
لا يوجد الخبر إلا في معادنه ... والشرّ حيث طلبت الشرّ موجود
وحدّث ابن عائشة قال: كان لرجل من قيس عيلان جارية، وكان بها معجبا، ولها مكرما فأصابته حاجة وجهد، فقالت له: لو بعتني فإن نلت طائلا عدت به عليك، فعرضها للبيع، فعرضت على عمر بن عبد الله بن معمر المذحجيّ، فأعجبته فاشتراها بمائة ألف درهم، فلما مضت لتدخل القصر ودّعت مولاها وأنشدته: [الطويل]
هنيئا لك المال الذي قد أصبته ... ولم يبق في كفّي إلا تفكّري
أقول لنفسي وهي في كرب غشية ... أقليّ فقد بان الحبيب أو اكثري
إذا لم يكن للوصل عندك حيلة ... ولم تجدي بدّا من الصّبر فاصبري
فأجابها مولاها: [الطويل]
فلولا قعود الدهر بي عنك لم يكن ... لفرقتنا شيء سوى الموت فاعذري
أئوب بحزن من فراقك موجع ... أناجي به قلبا طويل التّفكّر
عليك سلام لا زيارة بيننا ... ولا وصل إلا أن يشاء ابن معمر
فقال ابن معمر: قد شئت، خذ بيدها فهي لك وثمنها.
***
قال: فلمّا وعى الشّيخ أبياته، وعقل مناغاته، تنفّس الصّعداء وبكى حتّى أبكى البعداء؛ ثمّ قال لي: إنّي أحلّ هذا الغلام محلّ ولدي، ولا أميّزه عن أفلاذ كبدي؛ ولولا خلوّ مراحي، وخبوّ مصباحي؛ لما درج عن عشّي، إلى أن يشيّع نعشي، وقد رأيت ما نزل به من لوعة البين، والمؤمن هين لين، فهل لك في تسلية قلبه، وتسرية كربه؛ بأن تعاهدني على الإقالة فيه متى استقلت؛ وألّا تستثقلني إذا ثقّلت؛ ففي الآثار المنتقاة، المرويّة عن الثّقات: من أقال نادما بيعته، أقاله الله عثرته.
قال الحارث بن همام: فوعدته وعدا أبرزه الحياء، وفي القلب أشياء، فاستدني