حينئذ الغلام إليه، وقبّل ما بين عينيه، وأنشد والدّمع يرفضّ من جفنيه: [الرجز]
خفّض فدتك النّفس ما تلاقي ... من برحاء الوجد والإشفاق
فما تطول مدّة الفراق ... ولا تني ركائب التّلاقي
* بحسن عون القادر الخلّاق*
***
قوله: عقل مناغاته، أي فهم كلامه، والمناغاة تكليم الطفل بما يهوى ويفرح به، فإذا ردّد الصبيّ كلامك أو حاكاك فقد ناغاك. الصّعداء: ارتفاع نفس المهموم. أفلاذ:
قطع يريد أولاده، والفلذة: قطعة من الكبد، ولفرط الإشفاق به والمحبة في الولد، يخاطبه أبواه بقلبي وكبدي. وقالوا: أولادنا أكبادنا، وقال الشاعر: [الرجز]
وإنما أولادنا بيننا ... أكبادنا تمشي على الأرض
مراحي: موضع إبلي ودوابّي، وكنى بخلوّ المراح عن الفقر وذهاب المال. درج:
مشى. لوعة البين: حرقة الفراق. هين لين، هما مع الازدواج مخفّفتان، فإن أفردتا شدّدتا. قوله: لما درج عن عشّي، يقول: لولا الفقر ما بعته ما دمت حيّا. وتسرية كربه:
إزالة همّه. المنتقاة: المختارة. المدوّنة: المكتوبة المجموعة، والحديث معروف من طريق أبي سريرة رضي الله تعالى عنه، عن النبي صلّى الله عليه وسلم أنه قال: «من أقال نادما بيعته أقاله الله عثرته» (١)، أي عفا عن زلّته أبرزه: أظهره، ويريد بقوله: وفي القلب أشياء: أنه أضمر ألّا يقيله أبدا يرفضّ: يسقط متفرّقا. خفّض: سكّن. برحاء: شدّة. الوجد: الحزن الإشفاق: الخوف. تني: تفتر.
***
ثمّ قال له: أستودعك من هو نعم المولى. وشمّر ذيله وولّى. فلبث الغلام في زفير وعويل، ريثما يقطع مدى ميل. فلما استفاق، وكفكف دمعه المهراق، قال: أتدري لم أعولت وعلام عوّلت؟ فقلت: أظنّ فراق مولاك، هو الذي أبكاك فقال: إنّك لفي واد، وأنا في واد، ولكم بين مريد ومراد، ثم أنشد: [الرجز]
لم أبك والله على إلف نزح ... ولا على فوت نعيم وفرح
وإنّما مدمع أجفاني سفح ... على غبيّ لحظه حين طمح
ورّطه حتّى تعنّى وافتضح ... وضيّع المنقوشة البيض الوضح
(١) أخرجه أبو داود في البيوع باب ٥٢، وابن ماجة في التجارات باب ٢٦، وأحمد في المسند ٢/ ٢٥٢، بلفظ: «من أقال مسلما أقاله الله عثرته».