وقال ابن حبيب: لا تمش بالجنازة الهوينا، ولكن مشى الرجل الشاب فى حاجته، وكذلك قال الشافعى: يسرع بها إسراع سجية مشى الناس. قال غيره: وقد تأول قوم فى قوله (صلى الله عليه وسلم) : (أسرعوا بالجنازة) إنما أراد تعجيل الدفن بعد استيقان الموت، واحتجوا بحديث الحصين بن وَحْوَح:(أن طلحة بن البراء مرض، فأتاه الرسول يعوده، فقال: (إنى لا أرى طلحة إلا وقد حدث به الموت، فآذنونى به وعجلوا، فإنه لا ينبغى لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهرانى أهله) . وكل ما احتمل فليس يبعد فى التأويل. وأما قول أنس:(أنتم مشيعون، فامشوا بين يديها وخلفها) اختلف فى ذلك على ثلاثة مذاهب، فقالت طائفة: يمشى أمامها وخلفها وحيث شاء. هذا قول أنس بن مالك، ومعاوية بن قرة، وسعيد بن جبير، وبه قال الثورى، قال: الفضل فى المشى أمامها وخلفها سواء. وقالت طائفة: المشى أمام الجنازة أفضل. روى ذلك عن ابن عمر، عن النبى، (صلى الله عليه وسلم) ، وعن أبى بكر، وعمر، وعثمان أنهم كانوا يمشون أمام الجنازة، وهو قول ابن عمر، وابن عباس، وطلحة، والزبير، وأبى قتادة، وأبى هريرة، وإليه ذهب القاسم، وسالم، والفقهاء السبعة المدنيون، والزهرى، ومالك، والشافعى، وأحمد، وقال الزهرى: المشى خلف الجنازة من خطأ السنة. واحتج أحمد بتقديم عمر بن الخطاب الناس أمام جنازة زينب بنت جحش، وبحديث ابن عمر، وبعمل الخلفاء الراشدين المهديين. وقال ابن شهاب: ذلك عمل الخلفاء بعد النبى، (صلى الله عليه وسلم) ، إلى هلم جرا.