وقالوا: قوله تعالى: (فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا)[البقرة: ١٥٨] يقتضى أن يكون السعى مباحًا لا واجبًا، كقوله:(فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاَةِ)[النساء: ١٠١] ، والقصر مباح لا واجب، واحتجوا بقول عائشة فى هذا الحديث:(وقد سَنَّ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الطواف بينهما) فمن قال: إن السعى فرض، فقد خالف ما تقتضيه الآية، وخالف لفظ الحديث: وما سُمى سُنَّة فليس بفريضة، فهى سنة مؤكدة لا ينبغى تركها. قال ابن القصار: فيقال لهم: إن عائشة قد ردت على عروة تاويل المخالف فى الآية وقالت: بئس ما قلت يا ابن أختى، إن هذه لو كانت كما تأولتها، لكانت:(فلا جناح عليه ألا يطوف بهما) . وإنما نزلت فى الأنصار الذين كانوا يتحرجون فى الجاهلية أن يطوفوا بينهما، وفى الذين كانوا يطوفون فى الجاهلية ثم تحرجوا أن يطوفوا فى الإسلام، وهذا يبطل تأويلهم؛ لأن عائشة علمت سبب الآية وضبطت هذا المعنى الجليل، والصاحب إذا روى القصة مُفَسَّرة فلا تفسير لأحد معه. وقال غيره: لا حجة لمن تعلق بقول عائشة (وقد سَنَّ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الطواف بينهما) ؛ لأنه قد صح من مذهبها أن ذلك فريضة، والفرائض تثبت بالسنة كما تثبت بالقرآن؛ لأن الله قد فرض طاعة رسوله، فكل ما جاء عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) من فرض أو سنة فسائغ أن يقال فيه: سَنَّةُ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ؛ لأنه فرض عُلم من طريق السنة، وأما قراءة من قرأ:(فلا جناح عليه ألا يطوف بهما) فلا حجة فيها لشذوذها، وأنه لم يقرأ بها أحد من أئمة القراء.