فهذا الحديث موافق لقول مالك، ولذلك ذكر البخارى قول مالك فى صدر الباب ليدل على أنه مأخوذ من حديث ابن عمر والله الموفق. وأما قول البخارى: والحديبية خارج المحرم فقد قال مالك: إن الحديبية فى الحرم، وكلا القولين له وجه، وذلك أن الحديبية فى أول الحرم، وهو موضع بروك ناقة النبى عليه السلام لأنها لما بركت فى أول الحرم وقال الرسول (صلى الله عليه وسلم) : (حبسها حابس الفيل) وصاحب الفيل لم يدخل الحرم، فمن قال: إن الحديبية خارج الحرم فممكن أن يريد موضع نزول النبى (صلى الله عليه وسلم) ومن قال: إنها فى الحرم يريد موضع حلاقهم ونحرهم. وقال الطحاوى: ذهب قوم إلى أن الهدى إذا صد عن الحرم نحر فى غير الحرم، واحتجوا بهذا الحديث وقالوا: إنما نحر النبى عليه السلام هديه بالحديبية إِذْ صُدَّ، دل على أن لمن منع من إدخال هديه فى الحرم أن يذبحه فى غير الحرم، وهذا قول مالك. وخالفهم آخرون فقالوا: لا يجوز نحر الهدى إلا فى الحرم، واحتجوا بقوله:(هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ)[المائدة: ٩٥] فكان الهدى قد جعله الله ما بلغ الكعبة، فهو كالصيام الذى جعله الله متتابعًا فى كفارة الظهار وكفارة القتل، فلا يجوز غير متتابع، وإن كان الذى وجب عليه غير مطيق للإتيان به متتابعًا، فلا تبيحه الضرورة أن يصومه متفرقًا. كذلك الهدى الموصوف ببلوغ الكعبة لا يجزئ إلا كذلك وإن صُدَّ عن بلوغ الكعبة، واحتجوا بأن نحر النبى (صلى الله عليه وسلم) لهديه حين صُدَّ كان فى الحرم، والدليل على ذلك ما رواه إسرائيل عن مجزأة بن زاهر، عن