للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأيضًا فإن القبض لو أوجبناه لكان القابض يقبض ما لم يملك بالوقف، فقبضه إياه وغير قبضه سواء. فثبت قول أبى يوسف وإليه ذهب البخارى، واستدل من قوله: فقسمها أبو طلحة فى أقاربه وبنى عمه؛ أن الوقف لم يخرج من يدى أبى طلحة. وحجة الذين جعلوا القبض شرطًا فى صحة الوقف إجماع أئمة الفتوى على أنه لا تنفذ الهبات والصدقات بالقول حتى يقبضها الذى ملكها، ألا ترى أن أبا بكر قال فى مرضه لابنته، وقد كان نحلها أحدًا وعشرين وسقًا: لو كنت حزتيه لكان لك، فإنما هو اليوم مال وارث. فكان حكم الوقف حكم الهبات. وقول النبى (صلى الله عليه وسلم) لأبى طلحة: (أرى أن تجعلها فى الأقربين) لا حجة فيه لمن أجاز الوقف، وإن لم يخرج عن يد الذى أوقفه؛ لأنه ليس فى الحديث أن أبا طلحة لم يخرج الوقف عن يده، ولو استدل مستدل بقوله: (فقسمها أبو طلحة فى أقاربه وبنى عمه) أنه أخرجها عن يده لساغ ذلك، ولم يكن من استدل أنه لم يخرجها عن يده أولى منه بالتأويل. واختلفوا إذا قال: هذه الدار وهذه الضيعة وقف ولم يذكر وجوهًا تصرف فيها. فعند مالك أنه يصح الوقف، وكذلك لو قال: على أولادى وأولادهم. ولم يذكر بعدهم الفقراء أو بنى تميم ممن لم ينقطع نسلهم فإنه يصح الوقف، ويرجع ذلك إلى فقراء عصبته، وإن لم يكونوا فقراء فإلى فقراء المسلمين. وبه قال أبو يوسف ومحمد، وهو أحد قولى الشافعى، والقول الثانى: أنه لا يصح الوقف.

<<  <  ج: ص:  >  >>