وصف أهل الجنة بغير ذلك وأن لهم فيها ما يشاءون. فبطل كون النظر فى الآية بمعنى الاعتبار والتفكر؛ لأن الآخرة ليست بدار اعتبار وتفكر؛ إذ ليست بدار محنة وعبادة؛ ولأن ذاته تعالى ليست مما يعتبر بها؛ فبطل قولهم. ويبطل كون النظر فى الآية بمعنى التعطف والرحمة؛ لأن ذاته تعالى ليست مما يتعطف عليها وترحم. فإذا بطلت هذه الأقسام الثلاثة؛ صح القسم الرابع وهو النظر إلى ربها بمعنى الرؤية بالأبصار له تعالى، وهو ما ذهب إليه جمهور المسلمين قبل حدوث القائلين بهذه الضلالة، وشهدت له السنن الثابتة من الطرق المختلفة. وما احتج به من نفى الرؤية من أنها توجب كون المرئى محدثًا فهو فاسد؛ لقيام الدلائل على أن الله تعالى موجود وأن الرؤية منزلتها فى تعلقها بالمرئى منزلة العلم فى تعلقه بالمعلوم، فكما أن العلم المتعلق بالموجود لا يختص بموجود دون موجود، ولا توجب تعلقه به حدثه كذلك للرؤية فى تعلقها بالمرئى لا يوجب حدثه. واحتج نفاة الرؤية بقوله تعالى:(لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ)[الأنعام: ١٠٣] ، وبقوله تعالى لموسى:(لَن تَرَانِى)[الأعراف: ١٤٣] فى جوابه سؤاله الرؤية، وهذا لا تعلق لهم فيه؛ لأن قوله:(لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ (وقوله: (لَن تَرَانِى (لفظ عام، وقوله: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ)[القيامة: ٢٢، ٢٣] ، خاص، والخاص يقضى على العام ويبينه، فمعنى الآية لا تدركه الأبصار فى الدنيا؛ لأنه تعالى قد أشار إلى أن المراد بقوله: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (الآخرة؛ لقوله: