كان السَّبب في إثارة العزم لتصنيف هذا الكتاب أنَّ جماعةً من إخواني ومشايخي في الفقه كانوا يسألوني في زمن الصِّبا جمع أحاديث «التَّعليق»، وبيان ما صحَّ منها وما طُعِن فيه، وكنت أتوانى عن هذا لشيئين:
أحدهما: اشتغالي بالطَّلب.
والثاني: ظنِّي أنَّ ما في التَّعاليق من ذلك يكفي، فلمَّا نظرت في التَّعاليق رأيت بضاعة أكثر الفقهاء في الحديث مُزْجاة! يُعَوِّل أكثرهم على أحاديث لا تصحُّ، ويُغرِض عن الصِّحاح!! ويقلِّد بعضهم بعضاً فيما ينقل.
ثمَّ قد انقسم المتأخرون ثلاثة أقسام:
أحدها: قومٌ غلب عليهم الكسل، ورأوا أنَّ في البحث تعباً وكلفةً، فتعجَّلوا الرَّاحة، واقتنعوا بما سطره غيرهم.
والقسم الثَّاني: قومٌ لم يهتدوا إلى أمكنة الأحاديث، وعلموا أنَّه لا بدَّ من سؤال من يعلم هذا، فاستنكفوا عن ذلك.
والقسم الثَّالث: قومٌ مقصودهم التَّوسع في الكلام طلباً للتَّقدم والرِّئاسة، واشتغالهم بالجدل والقياس، ولا التفات لهم إلى الحديث - لا إلى تصحيحه ولا إلى الطَّعن فيه -، وليس هذا شأن من استظهر لدينه، وطلب الوثيقة في أمره.
ولقد رأيت بعض الأكابر من الفُقهاء يقول في تصنيفه - عن ألفاظٍ قد أخرجت في الصِّحاح -: (لا يجوز أن يكون رسول الله ﷺ قال هذه الألفاظ)!!