هذا الميدان، مساهمة مني في البعث الحضاري المنشود على قدر الطاقة والوسع، وما يبلغ إليه الجهد أو تناله الحيلة. ورغبة مني في المعرفة إذ العلم بالتعلم والخبرة بالإقدام والممارسة.
لما تبلورت في ذهني فكرة البحث في التراث، رميت بطرفي نحو الخزانات أنقر فيها، وأمعن في الفحص وأتعمق في البحث لعلي أقف على نفيسة من نفائس مخطوطاتنا وعيون تراثنا. وشيئًا فشيئًا بدأت تظهر لي علامات اليمن وأمارات الخير، فاستقر أمري في النهاية على وعاء من أوعية الفقه المالكي بل غرة من غرره، وشهاب ساطع من شهبه. إنه كتاب "التنبيه على مبادئ التوجيه" لأبي الطاهر إبراهيم بن عبد الصمد بن بشير التنوخي.
وقد وقع اختياري على هذا الكتاب لاعتبارين رئيسين: الأول: راجع إلى المؤلف، والثاني: إلى المؤلِف.
فبالنسبة للاعتبار الأول فيمكن حصره في النقط التالية:
١ - كون الكتاب من أجلّ كتب ابن بشير وأشهرها عند العلماء وأكثرها تداولًا بينهم، حتى إنه إذا قيل: قال ابن بشير فإنه ينصرف غالبًا إلى قوله في "التنبيه".
٢ - تضمن الكتاب لخلاف المذهب وجمعه لأقواله، سواء منها الضعيفة أو الشاذة أو الراجحة أو المشهورة، وهذا كله يوسع دائرة الاجتهاد الانتقائي المنشود.
٣ - حرصه على ذكر مثارات الخلاف وأسبابه ودواعيه، وغير خفي ما لذلك من أهمية في معرفة أصول المذاهب وقواعدها.
٤ - ربطه للمسائل الفقهية بأدلتها، وتبيين عللها وأصولها، وتوضيح طريقة استثمار الأحكام منها.
٥ - توظيفه لعدد هائل من القواعد الأصولية والفقهية، البعض منها نادر، وقليل الدوران على ألسنة الفقهاء.