فإذا ناهز الطفل الحلم، وتمكن من تلك العلوم الأولية، حق له بعد ذلك أن ينتظم في حلقات الشيوخ بالمساجد (١).
وأظن أن ابن بشير قد يكون مر بهذه الطريقة التي مر بها غيره من العلماء.
[* المطلب الرابع: أخلاقه]
كذلك لم يبلغنا شيء عن صفاته وأخلاقه وسلوكه في الحياة وطريقة تعامله مع الناس ومكانته في المجتمع، باستثناء تلك العبارة الوجيزة التي قالها ابن فرحون من أنه كان "جليلًا فاضلًا". ورغم وجازة هذه العبارة، فإنها تدل على أنه كان نبيلًا ذا قدر عظيم ودرجة رفيعة. إلا أنني وقفت على ما يمكنني أن أستشف منه أنه كان حسن السمت، عليه وقار العلماء، حافظًا لمروءته.
فقد جاء في باب الرد بالعيب من كتاب البيوع ما يلي: "مسألة جرت فيها المناظرة بين بعض الفقهاء ببلد إفريقية، وهي الدار إذا عرفت بنزول الأجناد فباعها البائع ولم يبين، فهل يكون للمشتري الرد بذلك؟ فذهب بعض من حضر إلى أنه لا يكون له عيب فإنه يزول وليس بالعيب الذي يوجب الرد وهو عند الناس مستقل، فإنهم يسكنون معهم حتى يمضي. ومازال الأمير ينزل بجنوده في دور البصرة وبغداد ومصر [وغيرهم من البلاد حتى يمضي، ولو كان ذلك عيبًا لما كان الأمراء الأولون يفعلون ذلك، ولو كان الدار المعتاد الضيوف في نزولها عيبًا أيضًا، وقال له من حضر الفرق بين ما نحن فيه مسألة الضيف]. وما ذهب إليه من سير الأولين أن مسألة الضيف ينزل برضى أصحاب المنزل على سبيل الشهرة، والرحمة التي أمر بها الشرع حيث قال: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته يوم وليلة والضيافة ثلاثة أيام وما زاد فهو صدقة ولا يحل له أن يجلس عنده
(١) انظر الأثر السياسي والحضاري للمالكية في شمال أفريقية لمحمد أبو العزم ص ٤٢٢ وما يليها.