للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأجاب: الذي عند أهل الأصول أن الجماد لا يسمع، ويستحيل أن يكون الجماد شيئًا من ذلك. وقد ذكرت شيئًا من ذلك عند اللخمي، وقلت له: إن القاضي ابن الطيب يمنع من هذا. فقال لي قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} يدل على أن الجمادات كلها تسبح. وأنكر قول القاضي غاية الإنكار. وقال لي: خلوا ما أنتم عليه من كلام الأصوليين. وكان رحمه الله يستثقل كلام الأصوليين. فقال له عبد الجليل: فهذه الحصاة تسبح. فقال نعم تسبح بالغيظ فسكت عبد الجليل لما رأينا من غيظه (١).

وهذا عبد الله بن ياسين تلميذ أبي عمران الفاسي وقد بعثه هذا الأخير إلى الأمير يحيي بن إبراهيم الصنهاجي مرشدًا ومعلمًا وزعيمًا روحيًا، فأسسا معًا دولة المرابطين على غير نفس أشعري. بل قامت على روح فقهية واكتفت في العقيدة بما كان عليه أهل السلف.

وهذا كله يدل على أن الأشعرية في بداية أمرها وإلى حدود القرن الخامس لم تلق معارضة قوية، وفي نفس الوقت لم تلق ترحيبًا واعتناقًا مطلقًا. فدخولها لم يحدث ضجيجًا. رغم ما بذله الإمام المازري (٢) الذي يمثل ظهوره بداية نضج الأشعرية، وعطائها بإفريقية.

إلا أن هذا السير الهادئ للأشعرية بإفريقية لم يكتب له الدوام، إذ بحلول القرن السادس دخلت الأشعرية دخولاً يختلف عن دخولها الأول، ففي الأول دخلت من الشرق محمولة في صدور وكتب العلماء، أما دخولها الثاني فجاء من الغرب على سيوف الموحدين.

[ج - التصوف]

لم يرج هذا المصطلح وينتشر في الثقافة الإسلامية إلا في نهاية القرن

الثاني الهجري (٣). وقد كان يقوم مقامه مصطلح الزهد والورع أو ما شاكل


(١) المعيار ١٢/ ٣٥٤.
(٢) انظر المازري للشاذلي النيفر ص ١٤٩.
(٣) انظر الصوفية معتقدًا ومسلكًا ص ٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>