للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلا بالمشهور ولا يعمل إلا بالمشهور فمن أفتى بغير ذلك لم يعتد به" (١)، وقال: "لأن الحكم بغير المشهور لا يجوز. بل هو فسق وزندقة، قاله العلماء، لأنه من ناحية اتباع الهوى" (٢)، ولا يتجه هذا الكلام إلا إذا حمل على أن المقصود به ردع من لا قدرة له على الترجيح من الهجوم على الاختيار بالهوى والتشهي، أما مطلقاً فما أبعده عن الصواب. ولن أجد أفضل من يرد على هذا الكلام، من أحمد بن عبد العزيز الهلالي حفيد الشيخ المذكور، الذي يرى أن ما عليه المحققون؛ هو وجوب العمل بالراجح في مقابل المشهور حيث قال: "إن الراجح نشأت قوته من الدليل نفسه، من غير نظر للقائل، والمشهور، نشأت قوته من القائل. فإن اجتمع في قول سبب الرجحان والشهرة ازداد قوة، وإلا كفى أحدهما. فإن تعارضا؛ بأن كان في المسألة قولان أحدهما: راجح والآخر مشهور، فمقتضى نصوص الفقهاء والأصوليين؛ أن العمل بالراجح واجب." (٣).

ففي هذا القدر كفاية، ودلالة واضحة، على أن ابن بشير يعد من رواد المدرسة النقدية وحذاقها في المذهب المالكي. وبما أن الآليات التي وظفها في النقد والتعقيب، هي غالباً نفس الآليات التي وظفها في الاجتهاد. أرى أن ذلك يدعوني للحديث عن اجتهاده في هذا المكان.

...

[المبحث الربع: الاجتهاد عند ابن بشير]

[* المطلب الأول: أنواع الاجتهاد]

إن للاجتهاد مراتب ودرجات، أعلاها، الاجتهاد المطلق أو المستقل، والمقصود به أن يستقل الإنسان بأصوله وفروعه، وهذا النوع افتقد من أوائل


(١) نوازل ابن هلال ص: ٤٧٨.
(٢) المصدر السابق ص: ٤٣٨.
(٣) نور البصر ملزمة ١٠ ص: ٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>