للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على الصدع بالحق وصراعهم المرير مع الأشاعرة ومن قبلهم المعتزلة وغيرهما من الفرق الكلامية.

أما المذهب المالكي، فعلى الرغم من أن مصدره كان بالمدينة وكانت له مدرسة نشطة بالعراق، إلا أنه في الفترة المدروسة قل أتباعه، واضمحل تأثيره في المنطقة، ولم تكد تجد- بعد القاضي عبد الوهاب- مالكيًا لامعًا، اللَّهم إلا بعض الأفراد هنا وهناك، ربما كان أغلبهم نازحين من الغرب الإسلامي.

[* المطلب الثاني: الوضع الثقافي في المغرب والأندلس]

إذا كان الشرق الإسلامي عرف بكثرة مذاهبه وفرقه وطوائفه وصراعاته العقائدية، والفكرية، فإن الغرب الإسلامي على خلاف ذلك عرف استقرارًا فكريًا وهدوءًا عقائديًا على العموم، وذلك بحكم بعده عن الشرق مصدر الخلاف وموطن تفريخ المذاهب والفرق. وبحكم طبيعة السكان وظروف المنطقة التاريخية فقد دخل الإسلام إلى المغرب والأندلس في إطار سني صاف من كل الشوائب والمعكرات، وصادف نفوسًا على الفطرة سرعان ما تخلصت من رواسب الوثنية والمسيحية، فتناغمت وانسجمت مع الإسلام الصحيح، ونفرت من باقي المذاهب المنحرفة وإن كان لبعض الفرق وجود في ظروف معينة كالخوارج والمعتزلة والشيعة، إلا أنه لم يكن لها جذور عميقة وممتدة في المجتمع المغربي، إذ سرعان ما تخلص المجتمع منها.

كما أن المذهب المالكي كان له دور مهم في ترسيخ العقيدة السنية ومنافرة علم الكلام. فقد اعتنق المغاربة مذهب مالك في وقت مبكر جدًا، وجعلوه مصدرًا لعقيدتهم وسلوكهم ولم يحصروه أو يقصروه على الفروع كما هو الشأن عند المتأخرين. فقد جعلوا نصب أعينهم قولة مالك التي توارثها عنه العلماء جيلًا بعد جيل، وجعلوها قاعدة لهم في هذا الشأن، وذلك عندما سئل عن معنى قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (٥) فقال: "الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة". يقول ابن عبد البر: "أجمع أهل الفقه والأثر في جميع الأمصار، أن

<<  <  ج: ص:  >  >>