لقد أشرت في الحديث عن عصر ابن بشير إلى أن سلطان المبتدعة اضمحل وتلاشى بإفريقية في العصر المذكور، وخلت الساحة بذلك لأهل السنة. فخفت حدة الصراع، وانكب المالكية على خدمة مذهبهم وتنقيحه.
ورغم هذا فإن ابن بشير لم يأل جهدًا في التنبيه والتحذير من البدعة والمبتدعة كلما سنحت الفرصة بذلك. ويتجلى ذلك عبر واجهتين:
الواجهة الثانية: التنبيه على الشعائر والعبادات الفرعية المخالفة للسنة.
فبالنسبة للواجهة الأولى نجده يتحدث عن إمامة معتقد البدعة كالخوارج والمعتزلة والقدرية؛ فيقول في حق الخوارج والمعتزلة:"فقد اختلف الأصوليون في معتقد البدعة كالخوارج والمعتزلة؛ فللقاضي في تكفيرهم قولان. وكذلك اختلف قول الفقهاء؛ فعن مالك في ذلك روايتان، ومثلهما عن الشافعي. وقال أبو إسحاق التونسي وغيره من متأخري أهل المذهب: سبب الخلاف هل يكفرون بما آل القول إليه أم لا؟ ومعنى ذلك: أن المعتزلة والخوارج متفقون على نفي الصفات المعنوية في حق الباري؛ فينكرون كون الباري سبحانه عالمًا بعلم، وقادرًا بقدرة، إلى غير ذلك من الصفات. إلا أنهم لا ينكرون أنه عالم ولا قادر ولا حي ولا مريد".
فمن رأى إنكارهم أن يكون عالمًا يؤدي إلى نفي العلم عنه جملة، [وقوَّلهم][ما يؤدي إليه مبدأ أقوالهم كَفَّرهم.
ومن لم يقوِّلهم] ما يؤدي إليه مبدأ قولهم، لم يحكم بتكفيرهم وحكم بتفسيقهم.
وقد سئل أبو المعالي عن هذه المسألة، فحكى خلاف الأئمة فيها. ثم قال: وقد نبه الرسول - صلى الله عليه وسلم - على وقوع هذا الخلاف بقوله في الخوارج: