فرأى الصنهاجيون أن المصلحة تقتضي الرجوع إلى المذهب الأصيل والتخلي عن المذهب الدخيل ليحصل الاستقرار والتلاحم بين الحكام والرعية. فبدأوا يظهرون ميلهم ويعلنون توجهاتهم الجديدة شيئًا فشيئًا بدءًا من الترضي عن أبي بكر وعمر، وغض الطرف عن العامة الذين انقضوا على الشيعة وآذوهم. وكل هذا كان يراقبه العبيديون بقلق شديد، إلا أنهم فضلوا سلوك سياسة المهادنة والترغيب وإرسال الهدايا وإطلاق الألقاب، لكن بحلول سنة ٤٣٣ هـ، ظهر كل شيء على حقيقته، وقطع الصنهاجيون علاقتهم كليا مع العبيديين، ودعوا على المنابر للعباسيين، وترضوا على الخلفاء الراشدين، وضربوا سكة خالية من أسماء العبيديين.
فلما وصل الأمر إلى هذا الحد، يئس الفاطميون من رجوع الصنهاجيين لولائهم فعزموا على الانتقام منهم.
[اكتساح الأعراب لإفريقية]
لما عزم المستنصر العبيدي على الانتقام من الصنهاجيين استشار وزيره الحسن بن علي البزوري، فأشار عليه بخطة بالغة في المكر والدهاء، وكفيلة بسحق الصنهاجيين والقضاء عليهم دون أن يتكبد العبيديون أية خسارة، والخطة عبارة عن إعطاء الإذن لأعراب بني هلال وبني سليم ليجتازوا النيل نحو المغرب ومنحهم الأراضي التي يستولون عليها.
وقد كان هؤلاء الإعراب معروفين بجفائهم وهمجيتهم يعيشون على السلب والنهب ولا يخضعون لسلطان ولا نظام وقد حصرهم العبيديون في صعيد مصر، ومنعوهم من تجاوز النيل تسهيلاً لضبطهم وصونًا للحواضر المصرية من إفسادهم (١).
وقد كانت الخطة ناجحة غاية النجاح، أعطت أكثر مما كان يرجى منها، فبمجرد أن وصل الإعراب إلى برقة بدأت معاول الهدم تنهش في