تقريبًا لهم وطمعًا في مؤازرتهم ووقوفهم في جانبه، إلا أن ظنه خاب فيهم، إذ انفصلوا عنه وخذلوه فاضطر لمحاربتهم والقضاء عليهم.
كما دخل في حروب طاحنة مع أمراء زناتة كزير بن عطية وفلفل بن سعيد الزناتي انتهت بانتصار ابن باديس.
وقد بلغت أصداء هذه الحروب وشجاعة ابن باديس إلى العبيديين في مصر فلقبوه بنصير الدولة، وأرسلوا إليه هدية فاخرة تثبيتًا له على الولاء والتبعية لهم. ولما توفي باديس سنة ست وأربعمائة بايعوا ابنه المعز الذي كان سنه حوالي ثماني سنين.
وفي عهد المعز هذا طرأت على الساحة الإفريقية أحداث بالغة الأهمية، أفرزت وضعًا جديدًا كان له تأثير واضح في تغيير المجرى السياسي والمذهبي والثقافي لإفريقية؛ فقد انفصلت الدولة الصنهاجية عن العبيديين، وانقسمت إلى دولتين، واكتسحها الأعراب وخربوها.
فبالنسبة لانقسامها إلى دولتين: فإن الخلافات التي كانت بين باديس وأخيه حماد طفت على السطح بعد مبايعة المعز بن باديس الذي لم يكن تجاوز الثماني سنين، فاستغل حماد صغر سن المعز وأعلن استقلاله عن الدولة، وزحف على المدن المجاورة للقلعة. فلما بلغ الخبر للمعز جهز جيشًا للقائه وزحف نحوه فانهزم حماد، وفر إلى القلعة وقبض على أخيه إبراهيم، فأظهر الرغبة في الصلح، فأستجيب له وتوقفت الحروب ووقع الاتفاق على تقسيم الدولة الصنهاجية إلى دولتين، دولة آل المنصور بن بلكين، أصحاب القيروان، ودولة آل حماد بن بلكين أصحاب القلعة.
وبالنسبة لانفصال الصنهاجيين عن العبيديين، فقد أدرك الصنهاجيون أنه لا فائدة ترجى من إكراه الناس على اعتناق مذهب يمجونه ولا يستسيغونه. وقد لاحظوا أن أولياء نعمتهم- العبيديين- قضوا زهاء قرن من الزمن وهم يحاولون فرض التشيع على المغاربة بحد السيف وقهر السلطان ولم يفلحوا في ذلك، إذ اصطدموا بأناس عاضين على مذهب أهل السنَّة بالنواجذ، مستعدين بذل مهجهم وأموالهم في سبيل ذلك.