وإن كان المريض يخاف أن يغلب على عقله فقولان: أحدهما: تقديم العصر، فيؤدي الصلاتين وقت الزوال، وتقديم العشاء ويؤدي الصلاتين عند مغيب الشمس. والثاني: أنه يؤخر فيجمع في آخر وقت الأولى وأول وقت الثانية. وفي المذهب قول ثالث أنه يؤدي كل صلاة لوقتها، فإن فقد عقله عند وقت الثانية سقطت عنه. فرأى في القول الأول أن أداء الصلاتين في أول الوقت أولى حِذَاراً من تعذر أداء الثانية. ورأى في القول الثاني أنه يجوز له التأخير مع الصحة، فأحرى مع المرض. ورأى في القول الثالث أن الأولى أداء كل صلاة في وقتها، فإن غُلب على الثانية فهو غير مكلف بها.
...
[فصل (متي يجوز الجمع للسفر)]
ويجوز الجمع للسفر. وقد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه جمع لذلك (١). وعند ابن شعبان من أهل المذهب جوازه للنساء وكراهيته للرجال. والصحيح جوازه لما قدمناه من ثبوته في الآثار.
ومتى يجوز؟ لا يخلو المسافر من أن يكون له وقت يرتحل فيه لا ينزل بعده إلى وقت ثان وينزل فيه نزولا كلياً، أو تتساوى أوقاته. فإن كان له وقت يرتحل فيه ووقت ينزل فيه؛ فإن ارتحل قبل الزوال وكان ينزل قبل الاصفرار، أخر الظهر وجمع بينها وبين العصر في وقت نزوله. فإن كان ارتحاله في وقت الزوال وهو لا ينزل إلا بعد الاصفرار أدى الصلاتين عند ارتحاله. هذا هو المشهور من المذهب. وقيل بل يؤدي كل صلاة في وقتها، فإن كان ارتحاله بعد الزوال ونزوله قبل الاصفرار أدى كل صلاة في وقتها. وقد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه كان إذا ارتحل بعد الزوال جمع بين الصلاتين،
(١) أخرج البخاري في الجمعة ١٠٩٢ واللفظ له، ومسلم في صلاة المسافرين ٧٠٣ عن عَبْدِ اللهِ بن عمر قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَعْجَلَهُ السَّيْرُ فِي السَّفَرِ يُؤَخَّرُ الْمَغْرِبَ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ.