عليهم، إما لرغبتهم في العلم، أو لتزيين مجالسهم واجتلاب محبة الشعب لهم بهم. فنتج عن هذا تنافس كبير في تحصيل العلم. كما كان الصراع الفكري والتصادم المذهبي بين الفرق والمذاهب الإسلامية حافزًا مهما لدفع العلماء نحو البحث والتنقيب، نصرة للمذهب ودحضًا لآراء مخالفيه. وقد تجلى هذا الصراع في شكل مناظرات كانت المساجد والقصور والمنتديات ساحة لها. فافرز هذا النشاط الموازي أجيالاً من الأئمة النحارير والعلماء الجهابيذ، دونوا من الكتب والمصنفات ما لا يقع تحت حصر.
[* المطلب الأول: الوضع الثقافي في الشرق الإسلامي]
تعتبر منطقة الشرق الإسلامي؛ الشام والعراق ومصر، بحكم موقعها وظروفها التاريخية؛ موطنًا لكل المذاهب والفرق الإسلامية السنية وغير السنية؛ إذ امتزجت رواسب الديانات القديمة مع الفلسفة اليونانية المترجمة، فاصطدمت بالعقيدة الإسلامية الربانية. فأفرز هذا الاصطدام مذاهب فكرية وعقائدية مختلفة. كما كان لاختلاف مناهج الفقهاء في استنباط الأحكام دور أساس في نشوء المذاهب الفقهية.
وحتى لا نحيد عما نحن بصدده نبقى في الفترة المدروسة، وهي النصف الأخير من القرن الخامس والنصف الأول من القرن السادس. ففي هذه الفترة كاد نجم المعتزلة يأفل، وذلك بفقدانهم لمناصرة العباسيين خاصة المأمون والمعتصم والواثق، الذين حملوا الناس على اعتناق آراء الاعتزال وأجبروهم على ذلك. وما فتنة القول بخلق القرآن إلا نموذج لذلك. وفي مقابل ذلك لمع نجم الأشاعرة وانتشر مذهبهم في الآفاق، لشهرة إمامهم وانسلاخه من الاعتزال بعد ما كان رأسًا فيه، ومحاولته التوسط بين المعتزلة وأهل الحديث. بالإضافة إلى جهود أتباعه في تثبيت وتوطيد أركان المذهب. وأذكر على سبيل المثال جهود الباقلاني (ت) ٤٠٣ هـ والجويني (ت) ٤٧٨ هـ والغزالي (ت) ٥٠٥ هـ. كما أنه كان للأشاعرة دور مهم في صد الفكر الشيعي الباطني الذي تبناه البويهيون والقرامطة في بغداد والجزيرة، والعبيديون في مصر.