عنيدًا، كثير التلون، سفاكًا للدماء، خبيث النحلة، عظيم المكر، جوادًا ممدحًا، له شأن عجيب ونبأ غريب، كان فرعون زمانه، يخترع كل وقت أحكامًا، يلزم الرعية بها، أمر بسب الصحابة رضي الله عنهم، وبكتابة ذلك على أبواب المساجد والشوارع وأمر عماله بالسب ... " (١).
واستمر حال المصريين هكذا مع العبيديين إلى أن قضى على دولتهم صلاح الدين الأيوبي رحمه الله سنة ٥٦٤ هـ.
هذه الأحداث، وهذا الضعف السياسي في الشرق الإسلامي، كان ينتظره العدو الخارجي المتربص ويراقب وقائعه من بعيد، فما إن تأكد لديه حتى انقض على الأمة وأصابها في قلبها. أعني بذلك الحملة التي دعا إليها البابا أوريان الثاني سنة ٤٨٨ هـ واحتلال بيت المقدس سنة ٤٩٢ هـ وتأسيس مملكة صليبية به، وإجراء السيف في رقاب المسلمين وإبادة آلاف منهم والتمثيل بهم ... ومحاولة الزحف على باقي بلاد الشام.
وقد استمرت بلاد الشام على هذا الوضع المضطرب والحروب الطاحنة مع الفرنجة إلى أن قاموا بحملتهم الثانية سنة ٥٤٣ هـ، التي قصدوا بها دمشق فصدهم المسلمون عنها وانقلبوا خاسرين، وكانت بداية النهاية لوجودهم بالشام ومقدمة لتحريرها على يد صلاح الدين الأيوبي سنة ٥٨٣ هـ.
[* المطلب الثالث: الوضع في المغرب]
[أ: دولة المرابطين]
لقد مر المغرب بأطوار عديدة من الفتح الإسلامي إلى أن ظهر المرابطون في وقت كانت فيه إفريقية في صرل مع أعراب بني هلال وبني سليم من جهة، والنرمن الغازين لسواحلها من جهة أخرى، وكانت دولة الأمويين بالأندلس تتمزق بين أمراء الطوائف، في هذه الظروف بدأت تنبثق