للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دولة جديدة جنوب المغرب، وضع بذرتها يحيي ابن إبراهيم أمير جدالة، والفقيه عبد الله بن ياسين. فقام هذا الأخير بتعليم الناس وحثهم على التمسك بأحكام الإسلام. ولقيت دعوته صعوبة في بداية الأمر، إذ نفر منها من لم يوطن نفسه على ذلك. وثابر عبد الله بن ياسين إلى أن صار له أتباع سماهم بالمرابطين. فخرجوا من قلب الصحراء سنة ٤٤٥ هـ وانطلقوا إلى درعة، ومن بعدها إلى سجلماسة. واستمر أمرهم إلى أن ظهر يوسف بن تاشفين سنة ٤٥٤ هـ نائبًا عن ابن عمه أبي بكر بن عمر، الذي توجه إلى الصحراء ليصلح بين لمتونة ومسوفة. فواصل ابن تاشفين الفتوحات شمال المغرب، وأسس عاصمة جديدة للمرابطين بدلًا من أغمات لتكون مركزًا لقواتهم في جنوب المغرب هي مدينة مراكش. ولما توفي أبو بكر بن عمر استقل الأمر ليوسف ابن تاشفين الذي يعتبر المؤسس الحقيقي لدولة المرابطين (١). فكون دولة عظيمة، موطدة الأركان مهيبة الجانب. تمتد أطرافها من بجاية شرقا إلى المحيط الأطلسي غربًا، ومن بلاد السنغال جنوبًا إلى سرقسطة والثغر الأعلى في الأندلس شمالًا.

ولما توفي يوسف بن تاشفين سنة ٥٠٠ هـ خلفه ابنه علي بن يوسف فصار على سيرة أبيه؛ جادًا، حازمًا، نزيه النفس، بعيدًا عن الظلم. فأحاط به العلماء والفقهاء، فلم يكن يقطع أمرًا إلا بمشورتهم (٢). وهذا "من وضع الشيء في محله وإسناد الأمر إلى أهله، فالدولة إسلامية وأحق الناس بتولي مناصب الحكم والشورى فيها العلماء العارفون بأحكام الشرع المتفقهون في الدين" (٣) وقد أنفق الجزء الأعظم من جهوده في متابعة شؤون الأندلس، فعبَر إليها أربع مرات ليتفقد بنفسه أحوالها.

ولما توفي علي بن يوسف سنة ٥٣٧، خلفه ابنه تاشفين فتوالت عليه الهزائم على يد عبد المؤمن بن علي الكومي. ولما توفي سنة ٥٣٩ هـ


(١) انظر: البيان المغرب ٤/ ١٢٣.
(٢) المعجب ص ٢٥٢.
(٣) جولات في الفكر الإسلامي لعبد الله كنون ص: ١٠٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>