للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فصل (جواز ركوب البحر)]

وركوب البحر للأسفار مباح على الجملة، ما لم يعرض عارض ما، يمنع من الركوب. ومن الأعراض الإخلال بالصلاة بالميد (١)، فمن يعلم من حاله أنه يميد حتى تفوته الصلاة في أوقاتها، أو لا يقدر على أدائها جملة، فإن المنصوص من المذهب أنه لا ينبغي له ركوبه إلا إلى حج أو جهاد. وهذا لأنه يطلب فرضاً فيعطل فروضاً آكد منه. وإن كان لا يقدر على الأداء إلا بإخلال فرض من الفروض والانتقال منه إلى بدل، كمن يعلم أنه لا يصلي قائما، فهذا إن وجد عنه مندوحة لم يركب، وإن لم يجد فقد يختلف فيه على الخلاف في القياس على الرخص؛ فمن قال بالقياس أجاز الركوب، كما له أن ينتقل عن طهارة الماء إلى طهارة التراب في السفر في المفازات والقفار، وإن حمله على ذلك طلب الدنيا. ومن لم يقل بالقياس عليها منع الركوب إذا كان يؤدي إلى إخلال ببعض الفرائض (٢).

وإن شك في أمره هل يسلم من الميد أم لا؟ فقد قالوا: يكره له الركوب ولا يمنع؛ لأن الأصل السلامة والقدرة على الأداء. وقد قدمنا حكم الصلاة في السفينة الواحدة والسفن في الجمع. وإذا فرقت الريح السفن فهاهنا في الكتاب في قوم يكونون في السفينة إن صلوا جمعوا وحنوا (٣) رؤوسهم، وإن صلوا على ظهرها لم يمكنهم الجمع، إن الصلاة على ظهرها أفذاذاً أولى (٤). وهذا محمول على أن الانحناء كثير، وأما لو كان يسيراً لكان الجمع أولى. وإن أمكن من مكان في السفينة الخروج إلى الشاطئ خرج إليه وإن أدى الصلاة في السفينة على الكمال؛ لأن الصلاة على الشاطئ أقرب إلى الخشوع والأمن من طريان المفسدات. فإن صلى


(١) يقال ماد به البحر يميد به ميداً، والمائد الذي يركب البحر فتغثى نفسه من نتن ماء البحر حتى يدار به ويكاد يغشى عليه. انظر لسان العرب ٣/ ٤١٢.
(٢) في (ت) إلى الخلال ببعض الفروض، وفي (ق) و (ر) خلال بنص الفروض.
(٣) في (ر) حطوا.
(٤) انظر المدونة ١/ ١٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>