للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جزي (١) وغيرهما، ولم يظهر التأليف في هذه القضية عند المشارقة- حسب علمي- إلا في القرن الثامن على يد ابن تيمية، في كتابه رفع الملام عن الأئمة الأعلام.

أما الشق التطبيقي الذي يتتبع المسائل الخلافية، ويذكر سبب الخلاف في كل مسألة؛ فقد ظهر في القرن الخامس. ومن رواده الأوائل: اللخمي، وعبد الحميد الصائغ، والمازري، وابن بشير، وهؤلاء كلهم مالكية من الغرب الإسلامي، ولا أعلم للمشارقة كتاباً ألف على هذا المنوال الذي يتتبع المسائل الخلافية، ويعللها ويبين أسبابها ودواعيها.

وما إن انتشر هذا المنهج الجديد، وتداوله المالكية في الخلاف الداخلي بالخصوص، حتى أنجب الغرب الإسلامي جهبيذًا التقط الخيط وخطى به خطوة إلى الأمام، أعني أبا الوليد محمد بن رشد الحفيد ت ٥٩٥هـ الذي استفاد من جهود سابقيه، ووظف ما قالوه في الخلاف العالي، وخرج على الناس بكتاب غاية في السبك والإحكام فبهر أعينهم ونال إعجابهم، إلا أن هذا المنهج لم يكتب له الاستمرار إذ آخر من سار على هذا المنهج هو أبو الحسن علي بن سعيد الركراكي من علماء القرن السابع (٢) في كتابه مناهج التحصيل ونتائج لطائف التأويل.

[* المطلب الأول: اقتصار ابن بشير على ذكر الخلاف داخل المذهب]

إن أهم ما يلاحظه المطلع على الكتاب؛ هو كثرة إيراده للأقوال والخلاف داخل المذهب. وقد استغرب البعض كثرة هذه الأقوال في المذهب وسأل عنها فقيل له: "ذلك لكثرة نظاره في زمان إمامه، وقد أخذ عنه مشافهة، نحو ألفين كلهم مجتهد، أو قارب الاجتهاد" (٣). ومهما يكن


(١) انظر تقريب الوصول إلى علم الأصول ص: ١٦٨.
(٢) ترجمته في كفاية المحتاج ولم يذكر تاريخ وفاته ١/ ٣٣٦.
(٣) نيل الابتهاج ٣٥٧، ٣٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>