للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

محمد بن أبي زيد، وأبا الحسن القابسي. فاجتمعوا في المسجد .. وقيل إنهم أرادوا السير إلى عبد الله فقال لهم ابن التبان أنا أمضي إليه أبيع روحي من دونكم, لأنكم إن أتى عليكم، وقع على الإسلام وهن ... فذهب ابن التبان إلى عبد الله ودارت بينه وبين دعاة الشيعة مناظرة تفوق فيها ابن التبان. فقال له عبد الله في الأخير: يا أبا محمد أنت شيخ المدنيين، وممن يتزين به. أدخل العهد، وخذ البيعة. فعطف عليه أبو محمد، وقال له: شيخ له ستون سنة يعرف حلال الله وحرامه، ويرد على اثنتين وسبعين فرقة، يقال له هذا؟ لو نشرت بين اثنتين ما فارقت مذهب مالك. فلم يعارضه، وقال لمن حوله: امضوا معه. فخرجوا ومعهم سيوف مصلتة، فمر بجماعة من الناس ممن أحضر لأخذ الدعوة، فوقف عليهم وقال لهم: تثبتوا، ليس بينكم وبين الله إلا الإسلام، فإن فارقتموه هلكتم. فترك عبد الله بقية الشيوخ بعد ذلك المجلس (١).

بهذه العزيمة القوية والإرادة الصلبة واجه علماء أهل السنَّة دعاة العبيديين وثبتوا في وجههم زهاء قرن ونصف من الزمن. فهذا يجلد، وذلك يسجن، والآخر يصلب. فلم يزدهم كل هذا إلا ثباتًا وصمودًا. وبثباتهم هذا تحصنت العامة فاقتدت بعلمائها ولم تسقط في مهاوي التشيع والبدع. واستمر حال أهل إفريقية على هذا المنوال وهم صابرون محتسبون، غير مستكينين ولا خانعين، إلى أن فرج الله عليهم بانجلاء العبيديين إلى مصر، وإدراك خلفائهم أن المصلحة في الرجوع إلى مذهب أهل السنَّة ومفارقة أهل البدعة.

[ث- انتشار الأشعرية بإفريقية]

كما سبقت الإشارة فإن أهل الغرب الإسلامي تمسكوا بمذهب مالك فأخذوا منه الأصول- العقائد- والفروع والسلوك. ولفظوا كل العقائد التي لم تأت عن طريقه، وخاضوا في سبيل ذلك صراعًا مريرًا مع الخوارج


(١) ترتيب المدارك: ٦/ ٢٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>