للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وابن بشير، الذين ضاهوا الأوائل في كثرة تخريجاتهم واستقراءاتهم، والتي جرت عليهم انتقادات ممن جاء بعدهم، وخاصة اللخمي وابن بشير.

[* المطلب الثاني: منزلة ابن بشير الاجتهادية]

بعد تدقيق النظر وإمعانه في الإجراءات والتخريجات التي وقفت عليها لهؤلاء الأئمة، خاصة منهم ابن بشير يمكنني أن أقول بأنه كان مجتهداً منتسباً؛ وهي منزلة بين الاجتهاد المطلق واجتهاد التخريج، فهو لم يستقل بأصوله بل تمسك بأصول المالكية في الاستنباط والتوجيه والتخريج، إلا أنه لم ينظر في نصوص إمام المذهب نظر المجتهد المستقل في نصوص الشارع، بل كان يرى عدم جواز ذلك، ويستشف هذا من اعتراضه على الباجي حين استقرأ من ألفاظ المدونة؛ اشتراط الجماعة لخطبة الجمعة وقد مر النص قريباً (١) وقد أوضح ذلك النص بجلاء موقفه من هذا النوع من التخريج. إلا أن هذا لا يعني أنه كان لا يرى جواز التخريج على نصوص الإمام بل إن موقفه هذا كان محصوراً في استنباط الأحكام واستثمارها من نص الإمام. وإنزال نصوصه منزلة ألفاظ المشرع، أما ما عدا ذلك فإننا نجده يخرج على نصوص الإمام، بمعنى أنه يقيس عليها ويلحق بها نظيرتها. كما أنه يخرج على نصوص الشارع، وعلى القواعد الأصولية والفقهية، فنتج عن هذا انفراده ببعض الأقوال وإنشاؤه للخلاف في بعض المسائل.

وهذه أمثلة نصية توضح ذلك:

أولاً: تعامله مع نصوص الشارع مباشرة:

النموذج الأول: قال أثناء حديثه عن حكم المولاة في الوضوء: " ... وسبب الخلاف بين الوجوب والسقوط مبني على خلاف الأصوليين في الأمر هل يقتضي الفور أو للمكلف التراخي؛ فإن قلنا إنه يقتضي الفور وجبت


(١) انظر ص: ١٥٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>