وبعد وفاة يوسف بن تاشفين سنة ٥٠٠ هـ تولى ابنه علي الذي اقتفى سيرة والده وعبر في السنَّة الأولى من حكمه إلى الأندلس، وعين أخاه أبا الطاهر تميمًا على الجيوش في الأندلس، واستأنف المرابطون جهادهم هناك، ودخلوا معارك طاحنة مع النصارى كان النصر في أكثرها للمسلمين، واستمر حال الأندلس هكذا إلى أن ضعفت دولة المرابطين سنة ٥٣٩ هـ، فهبت الوفود الأندلسية مستنجدة بالموحدين الذين قضوا على المرابطين. ولن أتحدث عن جهود الموحدين في الأندلس لأن ذلك خارج الفترة المدروسة.
[* المطلب الخامس: الوضع في إفريقية]
تعتبر إفريقية (١) موطن ابن بشير الأصلي والبيئة المؤثرة والفاعلة مباشرة في حياته. ولهذا يتعين علينا تناولها بشيء من التفصيل، تجليةٌ للوضع وتقريبًا للصورة.
فقد كانت هذه المنطقة هي المحطة الثانية للعبيديين، الذين انتقلوا إليها من سلجلماسة فكونوا بها دولتهم التي دامت زهاء قرن من الزمان. ثم انتقلوا بعد ذلك إلى مصر، واستخلفوا يوسف بن بلكين الصنهاجي على إفريقية سنة ٣٦١ هـ.
وبعد رحيل المعز العبيدي إلى القاهرة باشر يوسف بن بلكين أمور الحكم، وقام بغزو مناطق من المغرب ليضمها إليه ويقطعها عن الأمويين بالأندلس. وانتصر في كثير من معاركه. وتوفي أثناء عودته إلى إفريقية سنة ٣٧٣ هـ. وبويع بعده ابنه المنصور الذي كان يوثر السلم على الحرب واللين على العنف، وكان رجلًا عاقلًا عفيفًا عن الدماء، فجبلت الناس على محبته وقد دام حكمه ثلاثة عشرة سنة. وبعد وفاته سنة ٣٨٦ هـ تولى ابنه باديس الذي دخل في حروب طاحنة مع أعمامه الذين ولاهم على بعض المناطق
(١) قال ياقوت الحموي في معجم البلدان ١/ ٢٢٨: إفريقية بكسر الهمزة اسم لبلد شمال إفريقية وكان يطلق على مدينة هناك قبل أن تندثر. وتمتد من طرابلس الغرب إلى بجاية وقيل: مليانة، وكان المغرب والأندلس تابعين لها في مرحلة من المراحل التاريخية.