للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مما يزهدني في أرض أندلس ... تلقيب معتضد فيها ومعتمد

ألقاب مملكة في غير موضعها ... كالهر يحكي انتفاخا صولة الأسد (١).

وقد حاول الإمام الباجي أن يجمع شمل هذه الدويلات ويوحد كلمتهم، فقام بجهود خيرة ومساع حميدة في هذا الشأن. فطاف على الأمراء داعيًا إلى توحيد الكلمة وجمع الشمل، ونبذ أسباب التفرق والفتن، ورغم أنهم كانوا يتلقونه بالترحيب والتعظيم في الظاهر، إلا أنه لم يجد آذانًا صاغية وبقي الوضع على ما هو عليه إلى أن منَّ الله على المغرب والأندلس بالملك العادل والمجاهد الصادق، أمير المسلمين يوسف بن تاشفين رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جناته، فهب لإنقاذ الأندلس وعبر إليها أربع مرات، الأولى سنة ٤٧٩ هـ التي وقعت فيها معركة الزلاقة الشهيرة، ورجع منها ظانًا أن أهل الأندلس قادرون على حماية بلادهم، لكن تبين أنهم ليسوا أهلًا لذلك فكثرت القلاقل والفتن وعادوا إلى سالف عهدهم، فترددت الكتب والفتاوى إلى أمير المسلمين لإنقاذ الأندلس هذه المرة من ملوك الطوائف. قال ابن خلدون: "وأفتاه الفقهاء وأهل الشورى من المغرب والأندلس بخلعهم وانتزاع الأمر من أيديهم، وسارت إليه بذلك فتاوى أهل الشرق الأعلام مثل الغزالي والطرطوشي" (٢). فما كان منه إلا أن عبر إلى الأندلس وبدأ في القضاء على أمراء الطوائف. فضم غرناطة بعد استسلام أميرها عبد الله بن بلقين سنة ٤٨٣ هـ. ثم عاد أمير المسلمين وترك عددًا من قادته ليتموا خلع ملوك الطوائف. وخضعت قرطبة وكانت متابعة لبني عباد. واستسلمت إشبيلية في رجب من نفس السنَّة بعد مقاومة شديدة من المعتمد بن عباد، الذي استعان بالفونس السادس النصراني، فأسر ابن عباد ونفي إلى أغمات بالمغرب. ثم تتالت الفتوحات؛ ففتحوا مارية وشاطبة ومدنًا أخرى كما فتحت بلنسية مرة ثانية سنة ٤٩٥ هـ بعد معركة أفليش بين المرابطين والقشتاليين، ثم بطليوس وأشبونة (لشبونة).


(١) نفح الطيب ١/ ٢١٤.
(٢) تاريخ ابن خلدون ٦/ ٢٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>