للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكان المازري بهذا مسايرًا للتيار العام الرافض لمضمون كتاب "الإحياء". إلا أن هذا لا يعني أنه حصل الإجماع على ذلك، فقد وجد من أهل إفريقية من كان له رأي آخر في هذا الكتاب. ولعل أبرز من يمثل هذا الرأي هو أبو الفضل يوسف بن محمد النحوي (١)، الذي تجاسر وكتب لأمير المسلمين يوسف بن تاشفين كتابًا في ذلك، وأفتى بأن الأيمان التي فرضت في عملية التفتيش أيمان لا تلزم. وقال: وددت أنني لم انظر في عمري سوى كتاب الإحياء (٢).

بعد هذا أرى أنه قد آن الأوان للحديث عن الوضع الفقهي في إفريقية.

ثانيًا وضع الفقه:

لقد كان المذهب المالكي في إفريقية في عصر ابن بشير هو المهيمن على الساحة الفقهية، والمسيطر عليها، وصاحب السيادة المطلقة فيها. ولم يكن ينازعه في ذلك أي مذهب من المذاهب. لكن قبل أن يصل إلى هذه المكانة مر بمراحل مختلفة وعصفت به أزمات متنوعة، استطاع أن يصمد في وجهها. فما هي إذن هذه المراحل؟ وما هي هذه الأزمات التي مر بها؟ هذا ما سنتحدث عنه في هذا المبحث.

لقد كان المذهب الحنفي هو الأسبق إلى إفريقية من غيره، فكان هو السائد بها والغالب عليها. يقول القاضي عياض: "وأما إفريقية وما وراءها من المغرب فقد كان الغالب عليها في القديم مذهب الكوفيين، إلى أن دخل علي بن زياد، وابن أشرس، والبهلول بن راشد، وبعدهم أسد بن الفرات وغيرهم بمذهب مالك فأخذ به كثير من الناس .. " (٣).


(١) كان مولده يتوزر في حدود ٤٣٣ هـ، ورحل إلى القيروان ثم سفاقس فأخذ عنه أبو الحسن اللخمي والمازري. رحل إلى المغرب ودخل سجلماسة فتصدى للتدريس فطرده أهلها بدعوى إدخاله علومًا لا يعرفونها. توفي سنة ٥١٣، نيل الابتهاج ٣٨٣ والعمر ٢/ ٤٦٤.
(٢) كتاب العمر ٢/ ٤٦٥.
(٣) ترتيب المدارك: ١/ ٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>