للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا أبو الحسن علي بن أبي طالب- المعروف بالعابر- أتى بمسألة غريبة لا تعرف ماهيتها، "لكن يبدو أنها من نوع الدعاوى الصوفية التي ينكرها علماء السنة" (١)، فدخل في صراع مع علماء البلد.

ولم تكن إفريقية بمنأى عما أحدثه كتاب "إحياء علوم الدين" لأبي حامد الغزالي في الغرب الإسلامي (٢)، بل تفاعلت مع الحدث. ومن أبرز من تصدى للموضوع من أهل إفريقية؛ الإمام المازري الذي ألف كتابًا في الرد على "الإحياء" سماه "الكشف والإنباء عن كتاب الإحياء"، ومما جاء فيه: "ولقد أعجب من قوم مالكية يرون مالكًا الإمام يهرب من التحديد ويجانب أن يرسم رسمًا وإن كان فيه أثر ما أو قياس ما، تورعًا وتحفظًا من الفتوى فيما يحمل الناس عليه ثم يستحسنون من رجل فتاوى مبناها على ما لا حقيقة له، وفيه كثير من الآثار عن النبي-صلى الله عليه وسلم- لفق فيه الثابت بغير الثابت. وكذا ما أورد عن السلف لا يمكن ثبوته كله. وأورد من نزغات الأولياء ونفثات الأصفياء ما يجل موقعه، لكن مزج فيه النافع بالضار كإطلاقات يحكيها عن بعضهم لا يجوز إطلاقها لشناعتها. وإن أخذت معانيها على ظواهرها، كانت كالرموز إلى قدح الملحدين. ولا تنصرف معانيها إلى الحق إلا بتعسف على اللفظ، مما لا يتكلف العلماء مثله إلا في كلام صاحب الشرع الذي اضطرت المعجزات الدالة على صدقه المانعة من جهله وكذبه إلى طلب التأويل" (٣).


(١) كتاب العمر ٢/ ٤٥٨.
(٢) لما دخل كتاب الإحياء إلى الغرب الإسلامي كان من بين الأوائل الذين اطلعوا عليه قاضي الجماعة محمد بن علي بن حمد (ت) ٥٠٨ هـ، فأنكر ما فيه ولم يستصغه، فتدارسه مع العلماء والفقهاء، فاجتمعت كلمتهم على ضرورة إتلاف هذا الكتاب والتصدي لشبهاته والتحصن من ضلالاته، فرفعوا أمره إلى أمير المسلمين علي بن يوسف، فوافقهم على ذلك وأصدر أمراً بمصادرة الكتاب وإحراقه وأمر بتفتيش المكتبات الخاصة والعامة وأن يحلف من يشك في أمره بالأيمان المغلظة بأنهم لا يملكون كتاب الإحياء.
انظر البيان المغرب ٤/ ٥٩، والحلل الموشية في ذكر الأخبار المراكشية ١٠٤.
(٣) السير ١٩/ ٣٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>